تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويؤيد الشيخ أبو زهرة رحمه الله ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله في هذه المسألة سداً لباب عريض من الفساد الذي يحصل من إباحة التداوي بالخمر عند الضرورة. فيقول: وإننا نرى أن الأخذ برأي الجمهور أولى , وخصوصاً في هذا الزمان الذي ظهر فيه من أنواع العقاقير الخالية من المواد المسكرة ما لا يحصى , وإن أخذها للتداوي قد يؤدي إلى اعتيادها، وتجاوز حد التداوي إلى ابتغائها، وطلبها لذاتها لا للتداوي بها.

ثم إذا بحثنا في موضوع المضطر، نجد أن التداوي بالخمر ليس من باب الضرورة، بل التداوي بالمباح والطاهرات ليس من الضروريات التي تبيح المحظورات عند كثير من العلماء، وقد رأينا كيف ناقش الجمهور هذه المسألة وتبين أن التداوي بالخمر ليس من الضرورة باتفاق.

وإذا بحثنا في الأحاديث النبوية، والآثار الشريفة نجد صراحة تحريم التداوي بالخمر، ومن هنا ندرك تماماً كيف اتفقت كلمة السنة النبوية بل الشريعة الإسلامية مع العلم الحديث والحقائق العلمية والدراسات الطبية اتفاقاً تاماً، خاصة وأن الله عزَّ وجل أمرنا بتجنبه، ولم يأمرنا بعدم شربه، وهذا من البلاغة القرآنية والإعجاز وهو أبلغ حقيقة وأدل على تحريم التداوي به قطعاً.

وأما ما ذهب إليه ابن حزم وغيره من إباحة التداوي بالخمر حال الضرورة، وجعله التداوي حالة من حالات الضرورة، فرأينا كيف رد الفقهاء في هذه المسالة ن وردوا عليه بأن الضرورة هي الحالة المحدقة بالإنسان في ظرف سيء والتي تحمله على ارتكاب المحرم الممنوح شرعا , للمحافظة على نفسه من الهلاك أو ماله من الضياع , أو لدفع أذى لا يتحمله، إما يقيناً أو ظناً , كما أباح الباري عز وجل بعض المحرمات في حالة المخمصة الشديدة، حيث لا يجد معه الجائع ما يسد رمقه إلا المحرم، وكذلك الغصة، وهذا في حالة تعيّن الخمر , وانعدام غيره من الطاهرات أو النجاسات الأخرى منه، وهذا الكلام لا ينطبق على التداوي بالخمر كما عرفنا، بل إن التداوي ليس بواجب شرعاً عند كثير من الفقهاء، من باب أولى التداوي بالخمر،

ثم أن أثر التداوي بالخمر ليس قطعياً , بخلاف شربه للغصة، والعطش الشديد فإنه متحقق وجود الأثر المطلوب، وهو واضح ظاهر، فإن دفع العطش وإساغة اللقمة فتحقق النفع، لذلك من لم يسغ اللقمة ولم يدفع العطش عند وجود المحرمات يأثم بخلاف التداوي، فانه وان كان بالحلال فانه ليس بمتحقق النفع.

وعلى فرض تحقق دخول الخمر للتداوي في حالة الاضطرار، فيجب التحقق أولاً من عدم وجود دواء طاهر يقوم مقامه، وهذا كثير متحقق , وللتداوي بالخمر بديل بل بدائل كثيرة من العقاقير التي فيها من النفع أكثر من الخمر (على فرض أن فيه نفعاً) وخاصة في هذا العصر.

ثم أن الإمام الشوكاني رحمه الله يطالب المبيحين بدليل يخصص عموم الأدلة، ولا دليل، فيقول: (ما حرم الله فهو حرام في جميع أحواله، ومن أدعى أنه يحل في حالة خاصة وهي حالة التداوي احتاج إلى دليل بخصوص هذا العموم، وإلا فعموم الأدلة يرد عليه قوله، ويدفع دعواه). ثم يطالب رحمه الله المدّعين بجواز التداوي بالحرام والنجس بالدليل، ولا يطالب المانع من ذلك.

أما تأويلهم كلمة (داء) بالإثم فهذا غير واقعي وغير صحيح , كما ثبت طبياً، ثم أن قوله عليه الصلاة والسلام لطارق (أنها داء) إخبار منه عليه الصلاة والسلام عن واقع أمرها والدليل على ذلك ان هذا الذي قلناه هو الذي فهمه سيدنا طارق رضي الله عنه فلا يحق لنا ان نقول أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد الحقائق الشرعية لا واقع أمرها.

مما سبق كله نجد أن أدلة الجمهور هي الأقوى والأرجح، خصوصاً بعد أن تطابقت أقوالهم مع أقوال الأطباء في هذا العصر، وخصوصاً بعد ان رأينا آثار الخمر الضارة في جميع جوانب حياة الإنسان، جسماً وعقلاً واجتماعياً، وروحاً، ومادة، صحة ومرضاً.

فقول الجمهور هو المرجّح وهو المعتمد. وتسقط حينئذ (بعد مناقشة الجمهور لها) أقوال المبيحين وأدلتهم واستدلالهم بآيات الاضطرار. وقياسهم التداوي بالخمر على شرب الخمر للغصة أو للعطش الشديد، أو قياسهم شربه على جواز شرب النجاسات للتداوي لانه يصادم نصوصاً صريحة بحرمة التداوي فيه، والله تعالى أعلم

وهذا الترجيح للمناقشة فيما إذا كانت الخمر صرفة،


¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير