تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الشَافِعي: أنا إبراهيم بن محمد، عَن خارجة بن زيد، عَن أبيه، عَن أبي بن كعب، أنَّهُ كانَ يقول: ليسَ على مِن لَم ينزل غسل، ثُمَّ نزع عَن ذَلِكَ أبي قبل أن يموت.

وقد روي، عَن عائشة ما يدل على النسخ: مِن رواية الحسين بنِ عمران: حدثني الزهري، قالَ: سألت عروة عَن الذِي يجامع ولا ينزل؟ قالَ: نول الناس أن يأخذوا بالآخر مِن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حدثتني عائشة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يفعل ذَلِكَ ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثُمَّ اغتسل بعد ذَلِكَ، وأمر الناس بالغسل.

خرجه ابن حبان في ((صحيحه)) و الدارقطني.

والحسين بنِ عمران، ذكره ابن حبان في ((ثقاته) وقال الدارقطني: لا بأس بهِ، وقال البخاري: لا يتابع على حديثه.

وقال العقيلي بعد تخريجه لهذا الحديث: الحديث ثابت عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغسل لالتقاء الختانين، ولا يحفظ هذا اللفظ إلا في هَذا الحديث.

والقول بأن ((الماء مِن الماء)) نسخ بالأمر بالغسل مِن التقاء الختانين هوَ المشهور عند العلماء مِن الفقهاء والمحدثين، وقد قرره الشافعي، وأحمد، ومسلم بنِ الحجاج، والترمذي، وأبو حاتم الرازي وغيرهم مِن الأئمة.

وقد روي معنى ذَلِكَ عَن سعيد بنِ المسيب وغيره مِن السلف.

وقد قيل: إن ((الماء مِن الماء)) إنما كانَ في الاحتلام.

وقد روي عَن ابن عباس هَذا التأويل.

خرجه الترمذي مِن وجه فيهِ مقال.

وروي -أيضاً- عَن عكرمة، وذهب إليه طائفة.

وهذا التأويل إن احتمل في قولُهُ: ((الماء مِن الماء)) فلا يحتمل في قولُهُ: ((إذا أعجلت -أو أقحطت- فلا غسل عليك) وفي قولُهُ: ((يغسل ما مس المرأة منهُ، ويتوضأ، ويصلي)).

وقال طائفة مِن العلماء: لما اختلفت الأحاديث في هَذا وجب الأخذ بأحاديث الغسل مِن التقاء الختانين، لما فيها مِن الزيادة التي لَم يثبت لها معارض، ولم تبرأ الذمة بدون الاغتسال؛ لأنه قَد تحقق أن التقاء الختانين موجب لطهارة، ووقع التردد: هل يكفي الوضوء أو لا يكفي دونَ غسل البدن كله؟ فوجب الأخذ بالغسل؛ لأنه لا يتيقن براءة الذمة بدونه.

وهذا معنى قول البخاري: الغسل أحوط.

ولذلك قالَ أحمد -في رواية ابن القاسم -: الأمر عندي في الجماع أن آخذ بالاحتياط فيهِ، ولا أقول: الماء مِن الماء.

وسلك بعضهم مسلكاً أخر، وَهوَ: أن المجماع وإن لَم ينزل يسمى جنباً ومجامعاً وواطئاً، ويترتب جميع أحكام الوطء عليهِ، والغسل مِن جملة الأحكام.

وهذا معنى قول مِن قالَ مِن السلف: أنوجب المهر والحد ولا نوجب الغسل؟

وهذا القول هوَ الذِي استقر عليهِ عمل المسلمين.

وقد خالف فيهِ شرذمة مِن المتقدمين، مِنهُم: أبو سلمة، وعروة، وهشام ابن عروة، والأعمش، وابن عيينة،وحكي عَن الزهري وداود.

وقال ابن عبد البر: اختلف أصحاب داود في هَذهِ المسألة.

وقال ابن المنذر: لا أعلم اليوم بين أهل العلم في ذَلِكَ اختلافاً.

وذهب إليه طائفة مِن أهل الحديث، مِنهُم: بقي بنِ مخلد الأندلسي، وقد نسبه بعضهم إلى البخاري وليس في كلامه ما يصرح بهِ، وحكاه الشَافِعي عَن بعض أهل الحديث مِن أهل ناحيتهم وغيرهم، وذكر مناظرته لَهُم.

وقد كانَ بعض الناس قي زمن الإمام أحمد ينسب ذَلِكَ إليه، فكان أحمد ينكر ذَلِكَ، ويقول: ما أحفظ أني قلت بهِ قط، وقيل لَهُ: بلغنا أنك تقوله؟ فقالَ: الله المستعان، وقال -أيضاً -: مِن يكذب علي في هَذا أكثر مِن ذاك.

وأحمد مِن أبعد الناس عَن هَذهِ المقالة، فظاهر كلامه يدل على أن الخلاف فيها غير سائغ، فإنه نص على أنَّهُ لو فعل ذَلِكَ مرة أنَّهُ يعيد الصلاة التي صلاها بغير غسل مِن التقاء الختانين، ونص على أنَّهُ لا يصلى خلف مِن يقول: ((الماء مِن الماء) معَ قولُهُ: إنه يصلي خلف مِن يحتجم ولا يتوضأ، ومن يمس ذكره ولا يتوضأ متأولاً، فدل على أن القول بأن ((الماء مِن الماء)) لا مساغ للخلاف فيهِ.

وكذلك ذكر ابن أبي موسى وغيره مِن الأصحاب.

وحمل أبو بكر عبد العزيز كلام أحمد على أنه لَم يكن متأولاً، وهذا لا يصح؛ لأن القول بأن ((الماء مِن الماء)) لا يكون بغير تأويل. والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير