قال الحافظ ابن عبد البر: [وليس في هذا الخبر أكثر من استحباب العقيقة … وأما قوله ولو بعصفور فإنه كلام خرج على التقليل والمبالغة كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمر ? في الفرس: (ولو أعطاكه بدرهم) وكما قال في الأمة إذا زنت: (بعها ولو بضفير).
وقال الباجي: [قوله (يستحب العقيقة ولو بعصفور) قال ابن حبيب: ليس يريد أن يجزي العصفور وإنما أراد بذلك تحقيق استحباب العقيقة وأن لا تترك وإن لم تعظم فيها النفقة.
وقد روى ابن عبد الحكم عن مالك: لا يعق بشيء من الطير ولا الوحش. ووجه أن العقيقة نسك يتقرب به فلم يجز من غير بهيمة الأنعام كالأضحية والهدي].
وأما الجمهور فيمكن الاحتجاج لهم بقول النبي صلى الله عليه و سلم: (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً) ولم يذكر دماً فما ذبح عن المولود على ظاهر هذا الخبر يجزئ.
ويمكن أن يستدل للجمهور بإجزاء الإبل والبقر بقول النبي صلى الله عليه و سلم: (من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل) فالنبي صلى الله عليه و سلم سماه نسكاً وهو يعم الإبل والبقر والغنم.
وقال الحافظ ابن حجر: [والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضاً وفيه حديث عند الطبراني وأبي الشيخ عن أنس رفعه (يعق عنه من الإبل والبقر والغنم)]، ولم يتكلم الحافظ على الحديث السابق بشيء.
ويستدل للجمهور بما روي في الحديث عن أنس ? أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (من ولد له غلام، فليعق عنه من الإبل والبقر والغنم). رواه الطبراني في المعجم الصغير بسند ضعيف ورواه ابن حبان في الأضاحي بسند حسن كما قال العراقي، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير وفيه كذاب. وأشار التهانوي إلى أن الحديث ضعيف.
ولعل الأصح في الاحتجاج لقول الجمهور هو قياس العقيقة على الأضحية والهدي كما ذهب إليه كثير من العلماء، قال الإمام مالك: [وإنما هي - العقيقة - بمنزلة النسك والضحايا]، وأشار إليه النووي وابن قدامة وغيرهما.
وكذلك نقل عن جماعة من السلف جواز العقيقة من الإبل والبقر فعن قتادة: (أن أنس بن مالك كان يعق عن بنيه الجزور) رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح قاله الهيثمي.
وعن أبي بكرة أنه نحر عن ابنه عبد الرحمن جزوراً فأطعم أهل البصرة.
وأما ادعاء ابن حزم بأن ذكر الشاة في الأحاديث يعني عدم جواز أن تكون العقيقة من الإبل والبقر فمردود، لأن الأحاديث لا تحصر العقيقة في الشياه وإنما ذلك على سبيل التمثيل ولأنه المتيسر للناس أكثر من الإبل والبقر واعتاد الناس على ذبح الشياه أكثر من الإبل والبقر.
قال الشوكاني: [ولا يخفى أن مجرد ذكرها - الشاة - لا ينفي إجزاء غيرها]، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا نسلم أن لفظ الشاة خاص بالضأن والمعز، صحيح أنه المشهور في ذلك ولكن ورد في اللغة إطلاق الشاة على البقر وغيرها، قال ابن منظور: [والشاة الواحد من الغنم تكون للذكر والأنثى وقيل الشاة تكون من الضأن والمعز والظبا والبقر والنعام وحمر الوحش].
وخلاصة القول أنه يجوز أن تكون العقيقة من الضأن والمعز والإبل والبقر كما قال الجمهور. ولا تصح العقيقة بغيرها كالعصفور والدجاجة.
الشرط الثاني: أن تكون العقيقة سليمة من العيوب وهذا مذهب جمهور أهل العلم.
قال الحافظ ابن عبد البر: (على هذا جمهور الفقهاء أنه يجتنب في العقيقة من العيوب ما يجتنب في الأضحية).
والمقصود بالعيوب هي ذاتها التي تمنع الإجزاء في الأضحية كما نص عليه كثير من أهل العلم.
قال الإمام مالك: [وإنما هي - العقيقة - بمنزلة النسك والضحايا لا يجوز فيها عوراء ولا عجفاء ولا مكسورة القرن ولا مريضة ... ].
ونقل الإمام الترمذي عن أهل العلم قولهم [لا يجزئ في العقيقة من الشاة إلا ما يجزئ في الأضحية].
¥