" فلا يصح توكيل مجنون وصبي لا يعقل مطلقا ... ولا يصح توكيل عبد محجور".
الدر المختار - (5/ 58)
الشروط المختلف فيها:
1) الحرية
اشترط أكثر الفقهاء حرية الحكمين، ونص على ذلك فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة، ووجه ذلك أنه متى قيل إن الحكمين حاكمين- فلا بد من من اشتراط الحرية، فإنهما من شرائط الحكم.
وإن كانا وكيلين- فوجّه الشافعية اشتراط الحرية بأنه " قد اقترن بوكالتهما ولاية اختيار الحاكم لهما، ولا يصح فيمن رد الحكم إليه نظر إلا أن يكون بهذه الصفات "
الحاوى الكبير ـ الماوردى - (9/ 1425
وهذه أقوالهم:
قال الباجي المالكي:
" ومن صفة الحكمين التي هي شرط في صحة كونهما حكمين: الإسلام، البلوغ، والحرية والذكورة، فإن عدم شيء من ذلك لم يجز تحكيمهما برضى الزوجين ولا ببعثة السلطان، قاله مالك"
وقال المرداوي:
" فإن خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين ويكونان مكلفين"
الإنصاف للمرداوي - (8/ 379)
وقال البكري الشافعي
" ويشترط فيهما إسلام وحرية وعدالة واهتداء إلى المقصود من بعثهما له "
إعانة الطالبين- دار الفكر - (3/ 378.
- وذهب الحنابلة في قول آخر إلى عدم اشتراط الحرية، ووجه ذلك أنه إذا قيل إن الحكمين لا يحكمان بالتفريق بل يصلحان فحسب؛ فيجوز كونهما عبدين لأنهما وكيلان وليسا حاكمين، وتوكيل العبد جائز.
جاء في الكافي لابن قدامة:" وإن كانا وكيلين جاز أن يكونا عاميين أو عبدين لأن توكيلهما جائز"
الكافي في فقه ابن حنبل - (3/ 139
وقال المرداوي أيضا "وقيل لا تشترط الحرية"
الإنصاف للمرداوي - (8/ 379.
الترجيح
الذي يظهر رجحان اشتراط الحرية، ولا يتجه غيره على القول بأن الحكمين حاكمان، فإن الفصل في الخصومات والنزاعات هو من أمور الحكم، ولا بد فيها من اشتراط الحرية.
2) الذكورة:
اشترط المالكية والحنابلة والشافعية في أحد الوجهين أن يكون الحكمين ذكرين. لأن ذلك يفتقر إلى رأي ونظر، والمرأة بمعزل عنهما.
شرح الزركشي - (2/ 450
قال الشيخ الدردير:
" فشرطهما الذكورة والرشد والعدالة والفقه بما حكما فيه"
الشرح الكبير للشيخ الدردير - (2/ 344)
وقال الشيرازي:"
ويجب أن يكونا ذكرين عدلين لانهما في أحد القولين حاكمان وفي الآخر وكيلان إلا أنه يحتاج فيه إلى الرأي والنظر في الجمع والتفريق ولا يكمل لذلك إلا ذكران عدلان" المهذب - (2/ 70
وقال ابن قدامة" ويكونان ذكرين"
المغني - (8/ 167)
- وذهب الشافعية في وجه آخر عندهم، وفي قول ضعيف عند الحنابلة أن ذلك غير لازم فيجوز توكيل النساء، بناء على أن الحكمين ليسا حاكمين، وإنما شاهدان ومصلحان.
قال في إعانة الطالبين:
" ويسن كونهما ذكرين"
إعانة الطالبين- دار الفكر - (3/ 378)
وقال صاحب الإنصاف الحنبلي:
وقد يقال بجواز كونها أنثى"
الإنصاف للمرداوي - (8/ 380"
الترجيح:
قول من اشترط الذكورة في الحكمين أقوى، سيما إذا قلنا إن للحكمين سلطة التفريق بين الزوجين، فإن هذا مما لا ينبغي إسناده للمرأة، لما هو معروف من طبيعتها العاطفية التي تغلبها في كثير من الأحيان، ولهذا لم نر الشارع يخول المرأة منصب الحكم بين الناس والفصل في الخصومات.
3) كونهما من أهلهما:-
اختلف الفقهاء في اشتراط كون الحكمين من أهل الزوجين،فشرط بعضهم ذلك؛ وهذا هو مذهب المالكية، فلا يجوز عندهم بعث أجنبيين مع إمكان بعث حكمين من أهلهما، فإن بعثهما مع الإمكان ففي نقض حكمهما تردد.
قالوا: والحكمة في ذلك أن الأهل أعرف بأحوال الزوجين، وأقرب إلى أن يرجع الزوجان إليهما ; فأحكم الله سبحانه الأمر بأهله
أحكام القرآن لابن العربي - (2/ 307
قال الشيخ الدردير:
" حكما من أهله وحكما من أهلها (إن أمكن) ولا يجوز بعث أجنبيين مع الامكان"
الشرح الكبير للشيخ الدردير - (2/ 344)
- وأما الجمهور فرأوا أن ذلك على سبيل الاستحباب والندب لا على سبيل الإيجاب والحتم، فإن كان الحكمان أجنبيين جاز ذلك وإن كان خلاف الأولى. " لأنه إن جرى التحكيم مجرى الحاكم، فحكم الأجنبي نافذ، وإن جرى مجرى الوكالة فوكالة الأجنبي جائزة"
الحاوى الكبير ـ الماوردى - (9/ 1426)
جاء عند الحنفية
" والأولى أن يكون الحكمان من أهليهما كما ذكر الله تعالى وإنما كان أولى لأنهما أخبر بباطن أمرهما وأشفق عليهما"
شرح فتح القدير - (4/ 244
وقال البكري من الشافعية:
" والبعث واجب ومن أهلهما سنة "
إعانة الطالبين- دار الفكر - (3/ 378)
وقال ابن قدامة الحنبلي:" والأولى أن يكونا من أهلهما لأمر الله تعالى بذلك ولأنهما أشفق وأعلم بالحال فإن كانا من غير أهلهما جاز لأن القرابة ليست شرطا في الحكم ولا الوكالة فكان الأمر بذلك إرشادا واستحبابا"
المغني - (8/ 167)
الترجيح
الأظهر – والله أعلم- هو رأي الجمهور، فإن العبرة من بعث الحكمين من أهل الزوجين كونهما أشفق على الزوجين وأعلم بحالهما، وهذه العلة وإن كان وجودها في أهل الزوجين أكثر من غيرهم؛ إلا أن ذلك لا يعني انتفائها في حق الأجانب بالكلية، فكم من صديق هو أرحم وأشفق بل وأخبر بالحال من قريب، بل إن بعض الأقارب قد تأخذهم الحمية لذوي قرابتهم، فينظران بعين العاطفة لا بعين العقل ويحكمان بما يمليه الحال لا بما يقتضيه المآل.
وأيضا؛ فهما إن كانا حاكمين، فحكم الأجنبي نافذ، وإن كان وكيلين فوكالة الأجنبي جائزة.
¥