فيها, ووقعت مشاحنات, ووقعت مشاجرات, ووقعت مصادمات داميات, وكل ذلك وقع منَّا بمقربة، وكل ذلك إنما أتى بالتمسك بهذا الرأي الذي لما نصره الشيخ رحمة الله عليه قال: إن الحكمة ألا يُعمل به، وأن يصوم أهل كل بلد مع بلدهم, ويتبع رؤية بلدهم، فيصوموا معا، ثم يفطرون معا، وأما أن ينقسم بعضهم على بعض فهذا ليس من دين الله رب العالمين.
قال شيخ الإسلام: (تختلف المطالع باختلاف أهل المعرفة، فإن اتفقت لزم الصوم، وإلا فلا - قال: -, وهو القول الأصح للشافعية وقول في مذهب أحمد).
وقال الشيخ نجيب المطيعي: (القول بعدم اعتبار المطالع يخالف المعقول والمنقول, أما مخالفته للمعقول: فلِمَا عُلم من مخالفته لما هو ثابت بالضرورة من اختلاف الأوقات، ولأن الشمس تشرق على من كان أدنى منا للمشرق، فتشرق عليهم الشمس قبلنا، ويدخلون في حرمة الأخذ بشيء من المفطرات ونحن مفطرون، وكذلك تغرب الشمس عندهم قبلنا؛ فيفطرون ونحن صُوَّام).
إذًا؛ هذا أمر لا يماري فيه أحد، ولا تنتطح فيه عنزان، هذا أمر ثابت، يخالف المعقول من يقول: إن المطالع لا تختلف لِمَا عُلم من مخالفته لما هو ثابت بالضرورة من اختلاف الأوقات.
(وأما مخالفة هذا القول في عدم اختلاف المطالع للمنقول: فلأنه مخالف لحديث كُرَيب في صحيح مسلم).
قال كُريب: قدمت الشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم عدت إلى المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: ليلة الجمعة، و صاموا، فقال: ولكنَّا رأيناه ليلة السبت؛ فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أحمد ومسلم والترمذي وقال: (العمل على هذا الحديث عند أهل العلم).
مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية قرروا بقرارهم رقم 2 بالإجماع ما خلاصته:
بعد دراسة المجلس للموضوع، وتداول الرأي فيه تقرر ما يلي:
أولا: اختلاف مطالع الأهلة من الأمور التي عُلمت بالضرورة حِسًّا وعقلا، ولم يختلف فيها أحد، وإنما وقع الاختلاف بين العلماء في اعتبار المطالع من عدمه.
إذن؛ موطن النزاع ليس هو في اختلاف المطالع، فهذا لا يماري فيه أحد، وإنما موطن النزاع في اعتبار اختلاف المطالع أو عدم اعتباره, هذا هو موطن النزاع نحدده أولا.
مجلس هيئة كبار العلماء قال:
ثانيا: مسألة اعتبار اختلاف المطالع من عدمه من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال، والاختلاف فيها واقع ممن لهم الشأن في العلم والدين، وهو من الاختلاف السائغ، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين: فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع, ومنهم من لم يرَ اعتباره، واستدل كل فريق بأدلته، - وهذا إنصاف بَيِّن -.
ثم قال مجلس هيئة كبار العلماء: وعند بحث هذه المسألة في مجلس الهيئة, ونظرا لاعتبارات قدرتها الهيئة, وقد مضى على ظهور هذا الدين مدة أربعة عشر قرنا, ولا نعلم فيها فترة جرى فيها توحيد أعياد إسلامية على رؤية واحدة؛ فإن أعضاء الهيئة يقررون بقاء الأمر على ما كان عليه، وأن يكون لكل بلد إسلامي حق اختيار ما يراه بواسطة علمائه من الرأيين المشار إليهما - يعني: أن يكتفي برؤية البلد أو يأخذ برؤية من يرى من أهل الإسلام, فهذان رأيان -.
فيقول مجلس هيئة كبار العلماء: يكون لكل بلد إسلامي الحق في اختيار ما يراه بواسطة علمائه من الرأيين المشار إليهما - يقول: - أما ما يتعلق بإثبات الأهلة بالحساب، فقد أجمع أعضاء الهيئة على عدم اعتباره، وبالله التوفيق.
إذًا؛ الاختيار - كما ترى - أن يظل الأمر على ما كان عليه، أو على ما هو عليه.
الشيخ صالح (العثيمين) رحمة الله عليه سُئل سؤالا:
هناك من ينادي بربط المطالع كلها بمطالع مكة حرصا على وحدة الأمة في دخول شهر رمضان المبارك وغيره، فما رأى فضيلتكم؟
هذا السؤال، ولعل السائل كان يشير إلى ما ذهب إليه الإمام أحمد محمد شاكر رحمة الله عليه في دعوته إلى توحيد المطالع جميعها في دنيا الله رب العالمين, وربطها بمطلع أو بمطالع مكة خاصة؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189].
¥