قال: والحج يكون في مكة، فلمَّا ذكر الأهلة وذكر الحج - ولا يكون إلا بمكة, قال: - كأنما أومأ إلى اعتبار مطلع مكة وحده؛ لأن الناس الذين يحجون إنما يؤولون في المنتهى إلى مطلع مكة في شهر ذي الحجة، وإلا كان لهؤلاء وقفة بعرفات، ولهؤلاء وقفة بعرفات أخرى لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى تقدمت أو تأخرت، ولهؤلاء يوم نحر ولهؤلاء يوم نحر مخالف!
إلى غير ذلك من المناسك التي مرتبطة هي بالزمان الذي يتحدد على حسب مطلع مكة في شهر ذي الحجة.
الشيخ أحمد شاكر رحمة الله عليه أشار إلى ذلك ودعا إليه، واستدل بقول الله تبارك وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189].
قال: فلمَ ذُكر الحج هاهنا والسؤال عن الأهلة؟
قال: لأن هلال مكة هو الذي ينبغي أن يُتَّبع في جميع الشهور؛ لأنه يُتَّبع قسرا ورغما في شهر ذي الحجة وفي مناسك الحج.
هذا كلام متين، ولكن ما رأي الشيخ صالح (العثيمين) رحمة الله عليه؟
قال: (هذا من الناحية الفلكية مستحيل - أن تتحد جميع المطالع في الأرض كلها بمطالع مكة، قال: - هذا من الناحية الفلكية مستحيل؛ لأن مطالع الهلال كمال قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تختلف باختلاف أهل المعرفة بهذا العلم، وإذا كانت تختلف فإن مقتضى الدليل الأثري - يعنى: النقلي - والنظري - العقلي - أن يُجعل لكل بلد حكمه).
هذا اختياره: أن يُجعل لكل بلد حكمه، ومجلس هيئة كبار العلماء اختياره أيضا أن يكون لأهل كل بلد حكمه، فإن أخذ برؤية البلد فذلك، وإن أخذ أهل البلد برؤية غيرهم فذلك، المهم أن يتحدوا على صورة من الصور.
قال: (أما الدليل الأثري - يعني: الدليل النقلي الوارد, قال: - فقول الله تبارك وتعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، فإذا قُدِّر أن أناسًا في أقصى الأرض ما شهدوا الشهر - أي: الهلال - وأهل مكة شهدوا الهلال, فكيف يتوجه الخطاب في هذه الآية إلى من لم يشهدوا الشهر - يعني: من لم يشهدوا الهلال -؟!).
يقول الله تبارك وتعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ} أي: الهلال {فَلْيَصُمْهُ} , يقول: هؤلاء لم يروه، كيف يتوجه لهم الخطاب بقول الله تبارك وتعالى {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]؟ يقولون: لم نشهده، لم نره، فكيف يتوجه إليهم الخطاب؟!
(أهل مكة شهدوا الهلال فكيف يتوجه الخطاب في هذه الآية إلى من لم يشهدوا الشهر؟!
قال النبي صلى الله عليه و سلم: (صوموا لرؤيته, وأفطروا لرؤيته) متفق عليه، فإذا رآه أهل مكة مثلا، فكيف نلزم أهل باكستان ومن ورائهم من الشرقيين بأن يصوم مع أننا نعلم أن الهلال لم يطلع في أُفُقِهِم؟!) , والخطاب متوجه إليهم أيضا (صوموا لرؤيته) , يقولون: لم نره، يقول: رآه أهل مكة؛ فصوموا بصيام أهل مكة.
ما هذا؟!
(صوموا لرؤيته) انظر كيف انعكس الفهم في الدليل المُتَمَسَّك به!!
(صوموا لرؤيته) يعني: يا مسلمون .. يا موحدون في جميع آفاق الأرض إذا رأى الهلال أهل مَحَلَّة فعليكم أن تصوموا جميعا.
فُهِمَ هكذا!!
يقول: (ولكن (صوموا لرؤيته, وأفطروا لرؤيته) إن رآه أهل مكة كيف نلزم أهل باكستان ومن ورائهم من الشرقيين بأن يصوموا مع أننا نعلم أن الهلال لم يطلع في أفقهم؟!
والنبي صلى الله عليه وسلم عَلَّق ذلك بالرؤية (صوموا لرؤيته)).
لم نره!
حتى تروه أو تكملوا العدة، أليس هذا هو مقتضى الدليل؟
هُوَ هُوَ.
فلمَ هذا الخلاف؟
يقول: هذا هو الدليل الأثري {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، فأناس في أقصى الأرض لم يشهدوا الهلال، لم يروه، كيف تلزمهم برؤية من رآه؟!
وكذلك (صوموا لرؤيته, وأفطروا لرؤيته) من بأقصى الأرض لم يطلع الهلال في أُفُقِهم، فلم يروه.
تقول: (صوموا لرؤيته).
يقول: لم نره.
تقول: أهل مكة رأوه.
يقول: هذا مستحيل من الناحية النقلية والفلكية أيضًا.
فقد مر الدليل الأثري، (وأما الدليل النظري: فهو القياس الصحيح الذي لا تمكن معارضته، فنحن نعلم أن الفجر يطلع في الجهة الشرقية من الأرض قبل الجهة الغربية، فإذا طلع الفجر على الجهة الشرقية، فهل يلزمنا نحن في الجهة الغربية أن نمسك ونحن في ليل؟).
¥