تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا كان الشأن في الفصحى ما ذكرتم، و الاستغناء عنها في فنون الأدب الرفيع، و فروع العلوم – ضرب من الهذر، و الخبل، بل وافد من وفود البلاء الماحق، فهل فرض على قواعدها – و لا سيما النحوية والبلاغية – أن تظل حياتها في مكانها من الصعوبة و الجمود، و فرض على الناشئة و علينا أن نرزح تحت أعبائها الثقال؟ و إذا كان اقتراح العامية و إحلالها محل الفصحى له ما وصفت من سوء الأثر، و خطر الغاية فهلا تستمعون إلى اقتراح مفيد ينادي به بعض أنصار التجديد، و هو استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية، و الاستغناء عن هذه بتلك، تيسيرا للراغبين، و تخلصا من أثقال القواعد النحوية و الإملائية و سواهما؟

/ صفحة 261 /

و هب الحاجة ماسة إلى قليل أو كثير من تلك القواعد، فما حاجتنا إلى (العلوم البلاغية) بأصولها المعقدة، و تفصيلاتها المرهقة، و بهرجها الصناعي الأجوف، و أمثلتها المرددة التي تثير الضحك حينا و الضجر أحيانا؟ و ما غناؤها في هذا العصر؟ و ما مكانها بين البلاغات الحديثة؟

ثم ما ذلك العلم الذي يسمونه: علم الشعر، أو علم العروض والقوافي، بحدوده وقيوده، و عقباته التي ينثرها في طريق الشعراء: فتكد عقولهم، و تحد أخيلتهم، و تعجز و سائلهم، و تحول بينهم و بين الكمال الفني والتوفيق؟

لقد انتظم السؤال – كما يبدو، و كما أشرت قبلا – سلسلة من الأسئلة الدقيقة العمقية، تتطلب الإجابة عنها فيضا من البحوث، و الدراسات الواعية المتثبتة، ميدانها معاهد العلم المتخصصة، لا المجلات العامة، و لا الصحف السيارة. لكن هذا لن يقف حائلا دون الرد الذي يجمع – إلى حد ما – بين اللمحة الخاطفة النافعة، و الإقناع المركز المفيد.

فأما أن القواعد النحوية و البلاغية و غيرهما من فروع العربية جامد على التجديد الحميد، مستعص على التيسير المأمون، و التجميل البارع، فتلك دعوى لم تقم عليها بينة، و لم يقل بها ثقة خبير ممن يعرفون للقول خطره و جلال شأنه، و سوف أناقش ذلك في مقالات خاصة تعلن زيفه، و ترسم السبيل القويم – كما أراه – لوجوه من الجدة و الطرافة، و ألوان من التقوية و التطرية، تجول في خواطر أنصار الفصحى و أعوانها الأبرار بنهج لا تخلف فيه و لا تهور، و لا بطء و لا اندفاع.

أما كلمة اليوم فإني جاعلها لما وسم بأنه: اقتراح الحروف اللاتينية و استخدامها مكان الحروف العربية.

إن أنصار الحروف اللاتينية و الاستغناء بها عن الحروف العربية يؤيدون دعواهم بأن القاريء العربي لا يستطيع أن يقرأ ما يقع عليه ناظره قراءة صحيحة سليمة إلا إذا فهمه أولا، و أدار فيه فكره، فكلمة مثل: سمع، أو: فهم، أو: علم،

/ صفحة 262 /

أو مئات و آلاف غيرها من الكلمات المفردة أو المتضامة إلى غيرها، تصلح أن تقرأ بصيغة الماضي المعلوم أو المجهول، و بصيغة المضعف أو غير المضعف، و بصيغة المصدر… ولكل واحدة من هذه الصيغ معناها، و أثرها في معنى الجملة، و تركيب الأسلوب، و دلالته و حظه من القوة أو التخاذل، و جملة مثل: على سمع والده يؤنب الخادم لإهماله، و يقدم له النصح بالجد و النشاط، و قصيدة كقصيدة أبى العتاهية التي يقول فيها:

يا بن الخلائف لا فقد ت و لا عدمت العافيه

من يرتجي للناس غيـ ـرك للعيون الباكية

ألقيت أخبارا أليـ ـك من الرعية شافيه

تحتمل الكلمة الواحدة منها ضبوطا مختلفة، و تتقبل حروفها حركات عدة متباينة، و ليس من المستطاع قراءة مفرادتها أو تراكيبها، و لا ضبط حروفها ضبطا يساوق المراد، و يساير الغرض، إلا بعد النظر السابق، و التفكر الباديء، كى يستعان بهما على فهم المراد، ثم على القراءة الصائبة المسددة بعد ذلك، ثم يرمز لهذا المعنى بحركات نحوية و لغوية، و رموز إملائية و غير إملائية تشير إلى المراد و تدل عليه، و كذلك الشأن في كل أنواع المنثور و المنظوم، إفرادا و تركيبا، فمن الحق أن العربي يفهم المكتوب بلغته أولا ثم يقرأ ثانيا، و هذا يناقض الحكمة من الكتابة و الغرض الأصيل منها، ذلك الغرض الذي يقضى بأن الأنسان يقرأ ليفهم، لا العكس، و من ثم كان القارىء اللاتيني موفقا في قراءته، مسددا بفضل حروفه اللاتينية و نظام كتابتها، ذلك أن الكلمة اللاتينية الواحدة تشتمل على نوعين من الحروف، أحدهما أساسي، و الآخر فرعي يغني عن الحركات الإعرابية و اللغوية، طويلة كانت أم قصيرة و يتصل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير