تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بالأول اتصالا وثيقا مباشرا، فإن مثل كلمة: (سمع) العربية تتركب عندنا من حروف ثلاثة، لكل حرف حركة خاصة به، منفصلة منه انفصالا تاما، أما في اللاتينية فلكل حرف من هذه الحروف الثلاثة نظير يقابله، ولكن لكل حركة حرف فرعي يتصل بآخر الحرف الأصلي و يغني عنها، فحرف السين له ما يقابله عندهم، و لحركته – و هي الفتحة – حرف فرعي يشتبك بذيل الأصلي تماما و يرتبط به، و للميم حرف أصلي يقابله هناك، و لحركتها – و هي الكسرة – حرف فرعي يتصل بالمقابل مباشرة، و كذلك العين و باقي الكلمات، فإذا كنا في كلمة: سمع، نكتب السين و فوقها الفتحة الضابطة لحركتها، المعينة لها فإنهم يكتبون الحرف الأصيل الذي يقابل عندهم السين أولا، و يكتبون بدل الفتحة المنفصلة حرفا فرعيا يدل عليها و يتصل بآخر ذلك الحرف الأصيل كما سبق، و إذا كنا نكتب الميم و تحتها الكسرة فإنهم يكتبون ما يقابل الميم من حرف أصيل عندهم، و يصلون بآخره حرفا فرعيا يغني عن الكسرة، و يكتبون بدل العين حرفا أصليا و بدل الفتحة التي فوقها حرفا فرعيا متصلا بالأصيل … و هكذا سائر الألفاظ ما ذكر منها و ما لم يذكر.

و مما سبق يتضح أن الكتابة اللاتينية كالكتابة العربية كلاهما يتألف من حروف أصيلة، و من حركات ضابطة لتلك الحروف، مميزة لها، بيد أن هذه الحركات في العربية رموز تستقل بنفسها، وتنفصل عن حروفها، و تستقر فوقها أو تحتها، لكنها في اللاتينية لا تستقل و لا تنفصل، و إنما ترتسم بصورة حروف مشبوكة متماسكة، و هذه هي ناحية الفرق و بفضلها يقرأ القاريء فلا يخطيء، و لا يحتاج إلىتفكر قبل البدء، لأن كل حرف من حروف الكلمة يتصل بحركته التي تلازمه و ترتبط به ارتباطا وثيقا، فلا يقع الخطأ و لا التردد و لا البطء في قراءته، و لا يتطلب ذلك فهما سابقا و لا تمعنا في الإدراك، و تلك مزية لا مراء فيها، ولكنها مزية لم تفقدها العربية، و لم يغفل عنها السابقون من علمائنا العباقرة: فهى ليست إلا صورة من صور التشكيل و ضبط الحروف المعروف عندنا منذ عشرات القرون، و لا فضل لها إلا في تشابك الحرف الأصلي مع حركته المصورة بصورة حرف فرعي متعلق بسابقه تعلقا تاما، فلو أننا ضبطنا الحروف العربية بالشكل الكامل لصارت قراءتها في يسرها و سهولتها و سرعتها كقراءة الكتابة اللاتينية سواء بسواء.

/ صفحة 264 /

و أرى لزاما على في هذا الموقف الفني الخالص أن أشير إلى أمرين هامين بعيدي الأثر، لم يتنبه لهما دعاة التجديد.

أما أولهما فهو أن ترك الشكل في الكتابة العربية ليس أصلا من أصولها، و لا ضرورة محتومة فيها، بل ربما كان العكس هو الحق كما ينطق بذلك تاريخ الخط، فالكاتب العربي حر في أن يضبط بالشكل حروفه كلها أو بعضها، و في أن يترك الحروف بلا ضبط حين يأمن اللبس و لا يخشى الزلل، و حين يطمئن إلى السداد في قراءة ما يكتب قراءة لا عناء فيها و لا إخلال، و هذا حق مباح لكل كاتب، و بخاصة حين يكتب لمن اتسعت خبرته، و نمت في فروع اللغة معارفه، و بلغ الحد الذي يصبح الضبط فيه ضربا من العبث و إضاعة الوقت، عندئذ يكون ترك الضبط و التشكيل أليق، و هو بهذه الحالة أنسب، إذ يعد بحق نوعا من الاختزال الشائع في عصرنا، عرفه قدماؤنا منذ مئات السنين، و فيه من ادخار الجهد و الوقت ما لا يخفى، و هذه مزية ليست للضبط اللاتيني الذي لا انفكاك عنه في أية حالة، و لا خلاص من التزامه في كل المناسبات.

و أما ثانيهما فهو أن استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية ليس إلا اقتراحا خداع المظهر، و همي الأثر، لا يثبت على النظرة الصائبة، و لا الدراسة الفاحصة، فإن الهاتفين به يلوحون بفائدته التي أشرنا إليها آنفا، و هى القراءة بغير خطاء، و بغير حاجة ألى تفكر سابق، و هذه الفائدة متحققة في كتابتنا العربية المشكولة – كما أسلفنا – و نزيد هنا أن أولئك الهاتفين لم يفطنوا إلى طبيعة اللغة العربية التي تخالف طبيعة كثير من اللغات، فلغتنا لغة إعراب فأواخر كلماتها ليست كغيرها ساكنة بل لا بد من تغيير تلك الأواخر بحسب وضعها في الأساليب المختلفة، و هذا التغيير قد يتناول الحركات أو الحروف أو هما معا، و هو رهن بمعارف نحوية و لغوية متعددة فوق أنواع أخرى من التغيير تشمل الحروف التي في أواخر الكلمات أو أوائلها أو أوساطها، فلا سبيل لمن شاء أن يكتب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير