مثل: إن الله يحب الذين اتقوا، و آمنوا، و عملوا الصالحات، و صفت نفوسهم من أدران السوء، و طهرت
/ صفحة 265 /
من شوائب الأضغان … كتابة صحيحة بحروف عربية مضبوطة بالحركات المنفصلة، أو بحروف لاتينية أصلية مضبوطة بحروف فرعية موصولة بسابقتها بدل الحركات، إلا إذا عرف قدرا من النحو و من اللغة، و من غيرهما، يستطيع به أن يضبط كل حرف و كل كلمة، و بغير ذلك لا يستطيع أن يكتب لغتنا بحروف عربية أو لاتينية كتابة سليمة، و معنى هذا أن الكتابة الصحيحة لابد أن يسبقها ذلك القدر من المعرفة و العلم، و إلا جاءت مشوبة بالخطأ مشوهة بأنواع الغلط، لا فرق في ذلك بين أجناس الكاتبين، فإذا ساغ لنا أن نقول: عن كتابة مشكولة بطريقة الشكل العربي، أو اللاتيني، إنها تعصم من الزلل، و تحمي من اللحن، و تغني عن التفكير المبتدىء، و عن الحاجة إلى قواعد نحويه و لغوية و إملائية، وجب أن نسائل أنفسنا عن هذا الذي كتبها: ما الوسيلة التي ضمنت له السلامة؟ و على أى أمر اعتمد في تسجيل ما كتبه صحيحا بريئا من الشوائب و الأدران؟ هل استطاع ذلك من غير أثارة من قواعد النحو، و قدر من أصول اللغة و فروعها؟ اللهم لا.
فاقتراح الحروف اللاتينية إن أعفي القاريء من متاعب الدراسات اللغوية، لم يعف الكاتب و لا المتكلم المرتجل، و ما أكثرهما، بل ما أسبقهما على القاريء، فكل مقروء لا بد أن يسبقه إعداد في النفس يجري به اللسان أو القلم، و لا عصمة لواحد من هذين إلا بالدراسة اللغوية التي نحاول الفرار منها، و نزعم أن اقتراح الحروف اللاتينية يغني عنها، و يريح من عنائها، و هنا موطن الوهم و مكمن الخداع، فوق ما فيه من تنكر لماضينا، و قطع للصلات الكريمة بين شقيقاتنا، و أهدار لتراثنا العربي النفيس بقيمه الروحية و الأدبية و العمرانية، و إزهاق لمعاني الكرامة و الحرية، و إذلال لنفوس الناطقين بالضاد، و لعل فيما سبق ما يقنع الدعاة بزيف دعوتهم، و يحملهم على نصرة لغتهم، و الإقبال عليها دراسة و تمجيدا و تجديدا نافعا.
/ صفحة 382 /
… صريح الرأي في النحو العربي
داؤه و دواؤه
للأستاذ عباس حسن
أستاذ اللغة العربية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة
-3 -
أسلمتنا المقالتان السابقتان إلى موضوع اليوم؛ و إنه لجليل الشأن، عميق الأثر، فسيح الجنبات، و سأحاول أن أحسن الوقوف به، و أن أجمع من أطرافه ما أستطيع، و أن أكون فيه منصفا؛ نائم الهوى، يقظان الرأى.
تصدير:
إن منزلة النحو من العلوم اللسانية منزلة الدستور من القوانين الحديثة، هو أصلها الذي تستمد عونه، و تستلهم روحه، و ترجع إليه في جليل مسائلها، و فروع تشريعها؛ فلن تجد علما من تلك العلوم يستقل بنفسه عن النحو، أو يستغني عن معونته، أو يسترشد بغير نوره و هداه.
و هذه العلوم النقلية – على عظيم شأنها، و عميق أثرها – لا سبيل إلى استخلاص حقائقها، و النفاذ إلى أسرارها – بغير هذا العلم الخطير؛ فهل ندرك كلام الله تعالى، و نفهم دقائق التفسير، و أحاديث الرسول عليه الصلاة و السلام، و أصول العقائد، و أدلة الأحكام، و ما يتبع ذلك من مسائل فقهية، و بحوث شرعية مختلفة – إلا بإلهام النحو، و إرشاده؟
و هذا اللغة التي نتخذها – معاشر المستعربين – أداة طيبة للتفاهم القولي و الكتابي، و نسخرها مركبا ذلولا للإبانة عن أغراضنا و الكشف عما في نفوسنا من هيأها لنا، و أقدرنا على استخدامها قدرة الأولين من عرب الجزيرة عليها،
/ صفحة 383 /
و مكن لنا من نظمها و نثرها تمكينهم منها، و أطلق لساننا في العصور المختلفة صحيحا فصيحا كما انطلق لسانهم، و أجرى كلامنا في حدود مضبوطة سليمة كالتي يجري فيها كلامهم، و إن كان ذلك منهم طبيعة، و منا تطبعا؟
إنه النحو؛ وسيلة المستعرب، و ذخيرة اللغوي، و عماد البلاغي، و أداة المشرع و المجتهد، و المدخل إلى العلوم العربية و الإسلامية جميعا. فليس عجيبا أن يفرغ له العباقرة من أسلافنا، و يعكف عليه جهابذتهم يجمعون أصوله، و يثبتون قواعده، و يرفعون بنيانه شامخا ركينا في إخلاص نادر، و إيمان عميق، و صبر لا ينفد، و لقد كان الزمان يجري عليهم بما يجرى على غيرهم من مرض، و ضعف، و احتياج؛ فلا يقدر على انتزاعهم مما هم فيه، أو تحويلهم عنه كما كان يقدر على سواهم، و لا ينجح في إغرائهم بمباهج الحياة و متعها كما كان ينجح في
¥