تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و لقد خضع النحو العربي لهذا الناموس الطبيعي: فولد في القرن الأول الهجري ضعيفا، و حبا وئيدا وئيدا أول القرن الثاني. و شب و بلغ الفتاء – بالرغم من عيوب كامنة فيه لازمته – آخر ذلك القرن و سنوات من الثالث؛ حيث لمع من أئمته الأعلام عبدالله بن أبي إسحاق، و الخليل، و أبو زيد، و سيبويه، و الكسائي، و بعض الأخافشة، و الفراء، و الرؤاسي، ثم توالت أخلافهم بعد ذلك – على تفاوت في المنهج و المادة – إلى عصر النهضة الحديثة التي يجري اسمها على الألسنة اليوم و يتخذون مطلع القرن التاسع عشر مبدأ لها، و منذ هذا المبدأ دخل النحو القديم في طور جديد من الوهن والضعف لم يشهده من قبل، و تمالأت عليه الأحداث؛ فأظهرت من عيبه ما كان مستورا، و أثقلت من حمله ما كان خفّا و زحمته العلوم العصرية فلم يقو على زحامها، و خلفته وراءها كليلا مبهورا، و نظر الناس إليه فإذا هو في الساقة من علوم الحياة، و إذا أوقاتهم لا تتسع للكثير بل للقليل مما حواه، و إذا عيوبه التي برزت بعد كمون؛ و وضحت بعد خفاء – تزهدهم فيه، و تزيدهم نفارا منه، و إذا النفار و الزهد يكران على تلك العيوب، فيحيلان الضئيل منه ضخما، و القليل كثيرا، و الموهوم واقعا، و إذا معاهد العلم المدنية تزوّر عنه، و تجهر بعجزها عن استيعابه، و استغنائها عن أكثره، و تقنع منه باليسير أو ما دون اليسير فيستكين و يرضى.

و الحق أن النحو – منذ نشأته إلى يومنا هذا – مصاب بعلل و آفات مختلفة نكاد تكون متشابكة متداخلة – يعسر فصل واحدة في آثارها و نتائجهامن الأخرى. أضعفت شأنه، و شوهت جماله، و تولتها الأيام بالرعاية و الإذكاء حتى كادت تقضى عليه، و انتهت به إلى ما نرى.

/ صفحة 386 /

و العجب أن تولد تلك الآفات والعلل ساعة يولد النحو، و تعيش في طواياه، و تنمو و تتغلغل في أعماقه خلال عصوره المختلفة من غير أن يعرض لها أمام بالتجميع و الحصر و وصف العلاج و من غير أن يتصدى لها عَلمَ بالبحث الشافي، على كثرة الأئمة الباحثين، و وفرة الأعلام من أهل هذه الصناعة، و فيض الكتب و الرسائل التي تتصدى للنحو و قضاياه، و لقد حاولت جهدى أن أهتدى إلى مرجع يعرض لتلك المشكلات مجتمعة، و يستقصى أسبابها واحدة فواحدة – على الرغم من تشابك الكثير منها و تداخل بعضها في بعض- و يتصدى لنتائجها القريبة أو البعيدة، و يقترح الدواء الناجع لها؛ فلم أوفق إلا للقليل و لست أدرى أذلك لقصور مني في السعي، أم لتقصير من النحاة و الدارسين؟ و لكن الذي أدريه أني بذلت الجهد، و لم أدخر الوسع، حسبى هذا، و سأحاول في هذه الخواطر العابرة أن أتمم ما نقص و أستدرك ما فات؛ ولكن بالإيجاز واللمح اللذين يفرضهما المقام، فلعلي أوفق، و من الله العون و السداد.

* * *

1 - أول ما يطالع الباحث من ذلك: تعدد الآراء النحوية في المسألة الواحدة، و اختلاف الأحكام فيها؛ حتى ليستطيع أن يرى الرأى فيقول و هو آمن: إنّ هناك رأيا آخر يناقضه من غير أن يكلف نفسه مشقة الاطلاع، و الجري وراء النقيض، ذلك أنه يعلم من طول ممارسة النحو والنظر في قواعده أن الواحدة منها لاتخلو من رأيين أو آراء متعارضة؛ حتى أولياته، و ما يجري من مسائلة مجرى البدائة العلمية، و إن المطلع على كتاب كهمع الهوامع، أو الأشموني و حاشيته؛ ليهوله ما يرى من تشعب الآراء و كثرتها و تنافرها حتى فيما لا تحتاج إلى تعدد؛ فتقسيم الكلمة إلى اسم، وفعل، وحرف، وتقسيم كل إلى أنواعه، و تعريف كل نوع، و تمييزه مما عداه، و أحكام الفاعل، و المبتدأ، و النواسخ، و إعراب الأسماء الخمسة بالحروف، و كذلك المثنى، و الجمع بنوعيه، و ما سمى بهما، و المستثنى، و المنادي، و المتعدي، و اللازم، و المرفوع من الأسماء و المنصوب، و المجرور، و أحكام تقدّم العامل على

/ صفحة 387 /

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير