تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

معموله، أو تأخره، و تعريف المبتدأ أو تنكيره، و أحكام كل منهما، و باقي الأسماء معربهما و مبنيها. و.و. و. كل أولئك مختلف فيه لم تجتمع كلمة النحاة على رأى موحد بشأنه، و لم تتفق أحكامهم على شىء من كلياته أو مسائله الجزئية و قد تصل المذاهب فيه إلى عشرة أو تزيد؛ كالذي نقله الأشموني في إعراب الأسماء الخمسة؛ حيث قال: إن فيها عشرة مذاهب فلم يرض ذلك الصبان فبادر بقوله إنها اثنا عشر … و من فضول القول سرد الأمثلة لهذا فهو معروف للشادين في النحو، بله المتفرغين له، أو المترددين على كتبه و دراساته.

و حسبك أن تقرأ بابا كباب المبتدأ و الخبر، أو باب كان و أخواتها و الملحقات بها، أو غيرها من النواسخ و غير النواسخ – في الهمع، أو ابن عقيل و حاشيته، أو الأشموني و حاشيته – فترى العجب العاجب من أمر ذلك الخلاف. بل حسبك أن تقرأ باب الجوازم خاصة في كتاب الهمع لتفزع مما ترى من خلاف في كل مسأله. و هذا الخلاف و التفرق في كثير من القواعد النحوية كان أظهر العيوب فيها و أكبر العقبات في تحصيلها و الوصول فيها إلى ضوابط محدودة سليمة؛ يسهل استخدامها، و الاستعانة بها في التفاهم الكلامي و الكتابي على وجه محكم دقيق؛ لا فوضى فيه و لا اضطراب؛ شأن العلوم القاعدية المضبوطة التي تأخذ بيد صاحبها إلى غاياتها، و تنهض به في يسر و سهولة و دقة إلى حيث يبغى منها، ضجر المتعلمون من ذلك، و انصرف فريق منهم عن تعب التحصيل و مشقة الاستيعاب، و فر بنفسه من هذه البلبلة و الفوضي، قانعا بالقليل أو الأقل، مؤمنا بأن ما فاته ليس ذا بال، و أن له من المذاهب النحوية و تناقض النحاة ما يصوب خطأه إن أخطأ في زعم فريق و ما يشجعه على استخدام ذوقه الخاص، و الاكتفاء به دون احتمال متاعب النحو و تجرع مرارته، و صح عندهم ما يقال: إن كل ضبط للكلمات سائغ، و لن يعدم سندا من آراء النحاة و أدلتهم.

و الحق أن النحاة الأوائل – ممن كانوا في الطليعة، و تبعهم في هذا أخلافهم – أساءوا إلى النحو بهذه البلبلة و الآراء المضطربه المتعارضة، و أنهم – على جليل شأنهم، و عظيم فضلهم- قصروا في إتمام الاستعداد و الأهبة قبل الشروع في التدوين و التسجيل، و إثبات القواعد فوق صفحات الكتب، فقد كان الاستعداد التام يقتضيهم قبل ذلك التدوين و التسجيل أن يسألوا أنفسهم: من أى المصادر الوثيقة نستنبط قواعدنا؟ و من أي أنواع الكلام الأصيل ننتزع الأحكام النحوية؟

و قد ساءلوها فعلا قبل الشروع فأجابتهم: (إنه الكلام العربي الصحيح، و إن علماء اللغة – أثابهم الله – قد سبقوكم إلى مهمة جليلة كريمة كمهمتكم؛ هى جمع ذلك الكلام و تدوينه و تسجيله؛ حفاظا عليه، و صيانية له، و انتفاعا به في شئون الدين و الدنيا، فعلكم أن ترجعوا إليه لتنتفعوا به ما سئتم بعد أن يسره لكم أنداد أوفياء مخلصون، و حملوا عنكم في جمعه و تصنيفه، و ميز جيده من زائفه – أفدح الأعباء).

رجعوا إلى أولئك الأنداد، و إلى ما جمعوه؛ فإذا هم أخذوا اللغة من بعض القبائل الكبيرة الضاربة في وسط شبه الجزيرة العربية، مقتصرين في الأخذ على نحو ست (1) من تلك القبائل تاركين ما عداها من باقي القبائل التي تجاوز الثلاثين قبيلة، فاستنبط النحاة قواعدهم مما تجمع من لغات تلك القبائل الست، و اقتصروا – أو كادوا – عليها، كمافعلوا أندادهم جامعو اللغة، بل إنهم لم يستطيعوا استيعاب اللغات و اللهجات الخاصة بتلك القبائل الست، يدلك على ذلك ما تشهده في مواضع متفرقة من كتب النحو، كالذي سجله (الهمع) عند الكلام على عمل إن النافية الملحقة بليس، حيث يقول:

تنبيه: (قال أبو حيان: لم يصرح أحد بأن إعمال (لا) عمل (ليس) بالنسبة إلى لغة مخصوصة إلا صاحب المقرب ناصر الطرزي فإنه قال فيه: بنو تميم لا يعملونها و غيرهم يعملها، و في كلام الزمخشري أهل الحجاز يعملونها دون طيء، و في البسيط القياس عند بني تميم عدم إعمالهاو يحتمل أن يكونوا و افقوا أهل الحجاز على إعمالها) اهـ

ــــــــــ

(1) راجع مقدمة: خزانة الأدب الكبرى، و ص 128 ج 1 من المزهر الفصل الثاني.

/ صفحة 389 /

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير