تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(3) المزهر ج 2 ص 252 الطبعة القديمة. وبهذه المناسبة. ما يقع في الأحكام والآراء من تضارب عجيب، وتناقض بالغ أذكر أن أبا الطيب بن علي اللغوي، الحلبي، المتوفي سنة 351 هـ سجل في كتاب المسمى " مراتب النحويين " في الصحفة التاسعة والأربعين من طبعتة الحديثة ما نصه ـ بعد أن سرد حكاية الأصمعي مع ابن أخيه الواصف له بالكذب. قال: هذا باطل، ما خلق الله منه شيئا، ونعوذ بالله من معرة جهل قائله وسقوط الخائضين فيه. وكيف يقول ذلك عبد الرحمن؟ ولو لا عمه لم يكن شيئا. وكيف يكذب عمه وهو لا يروي شيئا إلا عنه؟ وأتى يكون الأصمعي كما زعموا؟ وهو لا يفتي إلا فيما أجمع عليه العلماء، ويقف عما يتفردون به عنه، ولا يجوز إلا أفصح اللغات، ويلج في دفع ما عداء ... اهـ.

(4) أي لكل واحد شبيه.

(5) المزهر ج 2 ص 297.

(6) العمدة ج 1 ص 56، 57.

/ صفحه 194/

الأمر عنده تحقق الغرض الذي يرمي إليه من السلامة والبصر؛ لا يبالي بعد ذلك أين وجدهما، ولا متى صادفهما؛ فلا اعتبار لعصر معين، ولا لقبيلة خاصة؛ وإنما الاعتبار كله للبلاغة وما يتصل بها. وأول شرط من شروطها ـ كما هو معلوم ـ صحة المفردات والتراكيب؛ إذاًَ لا فضل لعربي في بايدته على عربي في حضره، ولا لشاعر جاهلي على آخر إسلامي أو محدث؛ وإنما يجئ التباين من حيث الصحة، ومن حيث البراعة وتحقق البلاغة وشروطها (1).

ولابن جنبي وأضرابه رأى غير ما سبق جميعاً، إذ يرى أن الأخذ وعدمه ليس رهناً بالبدو أو الحضر؛ وإنما هو رهن بصحة اللسان وسلامته؛ فحيثما وجدا فقد صح الأخذ، وإلا فلا يصح، يتساوي في هذا أعراب البادية وسكان المدن. وعلة ذلك عنده: " ما عرض للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلاف والفساد والخلل. ولو علم أن أهل مدينة باقون على فصاحتهم ولم يتعرض شيء من الفساد للغتهم لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر. وكذلك أيضاً لو فشا في أهل الوبر ما شاع في لغة أهل المدر من اضطراب الألسنة. وخبالها، وانتقاض عادة الفصاحة في كلامه لم نكد نعدم ما يفسد ذلك، ويقدح فيه، وينال ويغض منه. وقد كان طرا علينا من يدعي الفصاحة البدوية، ويتباعد عن الضعفة الحضرية؛ فتلقينا أكثر كلامه بالقبول له، وميزناه تمييزاً حسن في النفوس موقعه. إلى أن أنشدني يوما شعراً لنفسه، يقول في بعض قوافيه: " أشأأَها، وأدأأَها".

فجمع بين الهمزتين كما ترى. واستأنف من ذلك ما لا أصل له، ولا قياس يسوغه. نعم وأبدل إلى الهز حرفا لاحظ في الهمز له، بضد ما يجب؛ لأنه لو التقت همزتان عن وجوب صنعة للزم تغيير إحداهما. فكيف أن يقلب

ــــــــــ

(1) مناقشة هذا الرأي والحكم عليه تتضح من مناقشة نظيره الذي سنعرض له هنا قريبا.

/ صفحه 195/

إلى الهمز قلبا ساذجا من غير صنعة ما لا حظ له في الهمز، ثم يحقق الهمزتين جميعا؟ هذا ما لا يبيحه قياس، ولا ورد بمثله سماع (1) .... "

وظاهر هذا الرأي هو الاتفاق مع كلام ابن قتيبة، أما حقيقته فالخلف الواسع بينها؛ فقد جوز ابن جني أني أن يقع الخطأ، ويشيع في أهل الوبر شيوعه في أهل الحضر. وهذه المشكلة خطيرة؛ تتفرع منها مشكلات جمة، في مقدمتها غموض المقياس الذي نرجع إليه في الحكم على فرد بأنه تصحيح اللغة. وعلى أهل المدينة أنهم أصحاء، الكلام؟ أليس المقياس رد كلامهم إلى كلام سبقوهم من العرب الخلص ومراجعة هذا على ذاك؟ فمن هو السابقون الخلص الذين نرجع إلى كلامهم عند الرد والرجعة؟ أهم الجاهلية وحدهم، أم هم وفريق من الاسلاميين؟ وما حدود هذا الفريق وعصره؟ وإذا كان السابقون (من جاهليين، وغير جاهليين، في حضرهم، ووبرهم، قد يخطئون فإلى من نرجع، وعلى من نعول؟.

لقد عاش ابن جنى خلال القرن الرابع ومات آخره (330 ـ 392 هـ (فهل يرتضى تطبيق حكمه على الجاهلية والاسلام معاً إلى عصره في الحضر والوبر؟

إن ساغر تطبيقه في العصر الاسلامي فكيف يسوغ تطبيقه في الجاهلية، ووبرها؟ اليس معناه أن عرب الجاهلية يخطئون ويعجمون؟ فمن له حق الحكم عليهم بهذا؟ وعلى أي أساس يستند وهم أهل اللغة وأربابها، وهم المرجع الوحيد في أصولها، الصواب ما كان منهم، وما وافقهم، والخطأ ما خالفهم؟ وكيف يعجب ابن جنى يعربي ويصفه بفصاحة اللسان ثم يرتد متهما إياه جارحاً له؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير