النحاة ونقلها إلينا؟ وهبنا تابعنا من يقول بالقياس على الكثير الوارد دون الليل المسموع، والأخذ بالمطرد دون الشاذ، سواء أكان ذلك بالنسبة لأفراد القبيلة بعضهم إلى بعض أم كان موازنة
ــــــــــ
(1) الخصائص ج 1 ص 391.
(2) كتاب الوساطة ص 345، طبعة صيدا.
/ صفحه 278/
القبيلة بغيرها، فما عدد الكثير الوارد والقليل المسموع؟ لا جواب عن ذلك؟ ولم أصادف فيما وقع لدى من مراجع بياناً شافياً لهذا عند نحاة البصرة أو غيرهم، سوى الكوفيين. وقد يكون من المفارقات النحوية العجيبة ان نسمع من يقول إن الكثير الوارد لا يصلح للقياس عليه. فهذا صاحب الأشموني يشرح بيت ابن مالك في الحال:
ومصدر منكر حالا يقع بكثرة؛ كبغتة زيد طلع
فيردف الشرح بتنبيه ينص فيه على ما يأتي: " مع كون المصدر المنكر يقع حالا بكثرة، هو عندهم مقصور على السماع " ويختم باب أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة بها بقوله: " خاتمة، قال الشارح: مجئ فعيل بمعنى مفعول كثير في لسان العرب، وعلى كثرته لم يقس عليه بإجماع " ويقول مثل ذلك في باب النعت عند الكلام على النعت بالمصدر ... وغير هذا كثير في الأشموني، وسواه من المراجع والمطولات، وفي الأبواب المختلفة. فأي اضطراب وتناقض كهذا؟ وما عسى أن تكون الحقيقة في أمر الكثرة والقلة المتحكمتين في اللغة والنحو؟.
أما الكوفيون فقد أجازوا القياس على المثال الواحد المسموع " وهم يعتبرون اللفظ الشاذ فيقفون عليه، ويبنون على الشعر الكلام من غير نظر إلى مقاصد العرب ولا اعتبار بما كثر أو قل " (1). وكذلك الإمام أبو زيد الأنصاري شيخ سيبويه ورائده يجعل الفصيح والشاذ سواء (2).
وفي هذه الآراء ما قد يوضح المراد من الشاذ توضيحاً يتجه به إلى أنه ما صدر من فرد أو أفراد قليلة مخالفاً لما شاع في قبيلتهم ولو كان المخالف مثالا واحداً.
أما جمهور البصريين ومن دار في فلكهم، فقد تركوا الأمر مبهما خلوا من التحديد، وإن كان المستقصى لآرائهم يتبين تشددهم في العدد المسموع الذي يصح القياس
ــــــــــ
(1) المواهب ج 1 ص 43 (رأي أبي إسحاق الشاطبي).
(2) كتاب القياس في اللغة ص 41.
/ صفحه 279 /
عيه، فهم لا يرضون بالمثال ولا بالمثالين ولا الثلاثة ولا الأربعة ولا الخمسة ولا الستة، يدلك على ذلك ما ورد في كتاب " الهمع " في باب إن وأخواتها حيث يقول:
" وسمع من العرب نصب الجزأين بعدها فقيل مؤول وعليه الجمهور ـ أي جمهور النحاة من البصريين ـ وقيل سائغ في الجميع وأنه لغة وعليه أبو عبيد القاسم بن سلام وابن الطراوة ابن السيد، وقيل خاص بليت، وعليه الفراء. ومن الوارد في ذلك قوله:
1 ـ إن حراسنا أسدا 2 ـ إن العجوز جروزاً 3 ـ ألا ليتني حجراً بواد 4 ـ يا ليت أيام الصبا رواجعا 5 ـ لعل زيداً أخانا
6 ـ كأن أذنيه إذا تشوّفا قادمة أو قلماً محرّفا
فهذه أمثلة ستة لم تكف عند البصريين للقياس عليها لقلة عددها في تقديرهم، بل إنهم لا يرضون بالعشرة أو بما جاوزها قليلا كالذي منعوه من قياسية جمع: " مفعول " على " مفاعيل " وصوغ " فعلية " على " فعلى " في النسب. وكثير من المصادر والجموع والمشتقات بحجة أن المسموع قليل لا ينهض مسوغاً للقياس، مع أن الوارد من كل عشرة ـ غير ما كشف في أيامنا هذه ـ بل يقارب العشرين (1) في بعضها أو يتجاوزها في بعض آخر تجاوزاً ما.
ــــــــــ
(1) وقد رأيت في كتاب إرشاد الأريب لمعرفة الأديب لياقوت الرومي طبعة مرجليوث قصة تدل على أن ورود ثلاثين مثالا قد يعتبر كثرة عند بعض المتقدمين فقد روى ما نصه: " حدث أبو حيان التوحيدي قال: قال الصاحب بن عباد يوما: " فعل وأفعال " قليل وزعم النحويون أنه ما جاء منه إلا زند وأزناد، وفرخ وأفراخ، وفرد وافراد، فقلت له أنا أحفظ ثلاثين حرفا كلها فعل وأفعال، فقال: هات يا مدعى فسردت الحروف ودللت على مواضعها من الكتب، ثم قلت ليس للنحوي أن يلزم مثل هذا الحكم إلا بعد التبحر والسماع الواسع وليس للتقليد وجه إذا كانت الراية شائعة والقياس مطرداً. وهذا كقولهم: " فعيل " على عشرة أوجه، وقد وجدته أنا يزيد على أكثر من عشرين وجها وما انتهيت في التتبع إلى أقصاه. فقال خروجك من دعواك في " فعل " يدلنا على قيامك في فعيل " ا هـ.
/ صفحه 280/
¥