1 ـ شيوع استعماله من غير مطابقته لأشباهه. 2 ـ عدم شيوع الاستعمال مع مطابقته لأشباهه. 3 ـ عدم الشيوع وعدم المطابقة، وهذا غاية الضعف.
فأنواع اللفظ عند ابن جني أربعة:
1 ـ مطرد في الاستعمال موافق للأشباه (أي مطرد في القياس أيضاً) مثل قام محمد، كتب علي ... قياساً على أمثالهما من الكلام العربي وهذا أقوى الأنواع. وحكمه: جواز استعماله بصيغته الواردة عينها والقياس عليها.
2 ـ مطرد في الاستعمال مخالف لأشباه (أي غير مطرد في القياس) مثل: استحوذ عليه الشيطان واستصوب عليٌّ الأمرَ. وحكمه أنه شاذ تستعمل صيغته كما وردت، ولا يجوز القياس عليها.
3 ـ مطرد في الموافقة للأشباه، لكنه غير شائع الاستعمال؛ مثل مكان باقل (أي: مبقل) وحكمه أنه كسابقه يحفظ ولا يقاس عليه.
4 ـ غير مطرد في الموافقة وفي الاستعمال؛ مثل ثوب مصوون. وحكمه: كالنوعين السابقين؛ يحفظ، ولا يقاس عليه. ولكنه أضعف الصور جميعاً.
/ صفحه 283/
وإني ألحظ في هذا الرأي غموضاً وتناقضاً.
أ ـ فأما النصوص فمرده إلى اعتماده في الاطراد، والقياس، على الشيوع والكثرة، من غير أن يبين مداهما، ولا حدودهما؛ فصاد فتنا وجها لوجه تلك المشكلة المعقدة التي أشرنا إليها طويلا فيما سبق. ولقد سرد أمثلة ستة للمطرد في الاستعمال، الشاذ في القياس هي: (أخوص. استصوب، استحوذ، أغيل، استنوق، استتيس) وقطع بعدم القياس عليها ومعنى ذلك: أن ورود ست نظائز لا يكفى للمحاكاة، وأنها قلة لا تبيح القياس. فما الكثرة التي تبيحه إذاً؟ على أنه حين سرد الستة ترك كثيراً غيرها من الألفاظ الخارجة على القياس. فمما تركه: أرْوحَ اللحمُ، وأحْوزَ الإبلُ، وأعْور الفارسُ، وأحْوش عليه الصيدُ، وأعْوَض بالخصم، وأفْوَق بالسهم، وأشْوكَت النخلة، وأحْولَ الغلامُ، وأطْوَلتُ (أطلت) وأعْولَ الرجلُ، وأقْوَلتنْي مالم أقل، وأغيمت السماءُ، وأنْوكتُ الرجلَ، وأعْوَه القوم (اصابت ماشيتهم عاهة)، وأحوجني الأمر ... هذا بعض ما تركه. وإذا ضم إلى سابقه بلغ العدد واحداً وعشرين وهو جزء سيق للتمثيل، لا للحصر، وله أشباه كثيرة، متفرقة في بطون المعاجم اللغوية لم أتصد لجمعها، اكتفاءبما سبق في موضوعنا. ترى أمثل ذلك لا يعرفه ابن جنى وهو اللغوي العليم، أم أنه خبير به؟ وإذا كان خبيراً به ايقول بأن هذا القدر لا يكفي لينسج على منواله، ويقاس عليه، أم يكفى؟
وكذلك لم يبين لنا ابن جني رأيه في المطرد قياساً، الشاذ استعمالا (كماضي يذر ويدع، وباقل اسم الفاعل من أبقل) أيجوز لنا أن نستعمله على الأصل الذي يسير عليه أشباهه ونجري فيه القياس العام ولو لم تفعل العرب ذلك فيه أو لا يجوز؟ وإني لا أعرف أن العرب قد نطقت بكل ما الفعلين الماضيين وبكلمة " مبقل " فما الحكم لو لم تنطق؟ وبعبارة أجلي أيجوز لنا أن نصوغ ماضيا لكلمتي يذر ويدع كماضي نظائرهما فنقول وذر، ودع، وأن نجئ باسم الفاعل من أبقل على وزان مبقل، ولو لم نسمع عن العرب الخُلِّص ماضياً للفعلين السالفين،
/ صفحه 284/
ولا اسم فاعل للفعل أبقل على مفعل لا على فاعل؟ إن جاز ذلك كان القياس عينه. وإن لم يجز أشكل الأمر بسبب منبع كلمة أن تصاغ على وزان نظائرها الكثيرة (1).
وشيء آخر هو أن بعض القراء قرأ: " ما ودعك ربك " أفيكون هذا شذوذاً في الاستعمال مع قراءة القرآن به؟ وهل نقبل ما يقال إن القرآن قد يأتي بالشاذ استعمالا لكنه مطرد قياساً؟ إذ كيف يتفق القول ان يكون القرآن أسمى لغة عربية بيانية مع اشتماله على الشاذ استعمالا؟ فأين غير الشاذ في الاستعمال إذاًَ؟.
ب ـ وأما التناقض فحيث يقول فيما سبق: إن الشاذ في القياس والاستعمال معا لا يجوز القياس عليه، ولا رد غيره إليه. ويضرب لذلك مثالا بتتميم مفعول فيما عينه واو نحو ثوب مصوون، ومسك مدووف … مع أن هذا التتميم لغة تميم (2)؛ تجعله في الواوي العين وفي اليائي كذلك فهي تقول رجل مديون كما تقول
ــــــــــ
(1) بحث المجمع اللغوي أخيراً، وأقر تكملة مادة ورد عن العرب بعض صيغها وأصولها. وبمناسبة هذا القرار اللغوي المجمعي أتقل هنا ما جاء في الجزء الأول من الخصائص ص 362 باب: " أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب " ما نصه:
¥