تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

علامة معنوية ـ وإن شئت فقل: خيالية. لا وجود لها إلا في الذهن، ولا حقيقة لها في الخارج كما يقول علماء الوضع، وهي مع ذلك تؤثر في الكلام رفعاً أو نصباً، وتجتلب الحركة التي تريدها!! ومن كل ما سبق نشأ: العامل اللفظي، والمعنوي، والعامل المذكور، والمقدر، والمحذوف، والعامل القوي أو الأصيل؛ كالفعل عامة (وأفعال

/ صفحه 381 /

النواسخ منه) والعامل الضعيف؛ كحروف النسخ الملحقة بكان (مثل ما، وإنْ، ... ) والذي يكون قويا حينا وضعيفا حينا آخر على حسب المناسبات والملابسات، كأن الناصبة مظهرة ومضمرة بغير أن تسبقها اللام ثم بعد أن تسبقها اللام، والعامل الذي يصلح ان يكون مفسراً والعامل الذي لا يصلح ... ولكل أحكامه وآثاره وخصائصه التي تتفاوت بحسب قوته وضعفه، وحذفه وذكره، ونوعه (ألفظي هو أم معنوي؟) ... فليست المسألة اذاً مقصورة على حركة يجلبها العامل معه، أو يستدبل بها غيرها، وإنما تمتد إلى أثره في تكوين الكلمة، وتركيب الجملة، وبلاغة الأسلوب، فيباح لعامل مالا يباح لغيره، ويمنح واحدٌ ما يحرم على سواه؛ من حذف أو ذكر، وتقديم بعض الكلمات عليه، وتأخير بعض آخر، وإيجاب ذلك، أو جوازه، وتأويل ما يخالف ذلك ولو جاء في القرآن الكريم، والحديث الصحيح، وتأويله أو الحكم عليه بالشذوذ أو الضعف أو عدم القياس عليه ان جاء في كلام آخر عربي فصيح ... و ... و ... إلى غير ذلك من ألوان التحكم المفسد، والتقييد الضار، لا لشئ إلا للخضوع للعامل الذي صنعناه بأيدينا، ونسينا أننا خلقناه؛ فقدسناه، وأحَطْناه بهالة من الجلال والإكبار أنْستْنا أصله والغرض منه.

لا يعنينا من العامل أن يكون هو المتكلم أو هو المعنوي أو هو اللفظ ظاهراً أو مقدراً أو محذوفا؛ فذلك أمر سطحي شكلي بحت، وربما اقتضانا الانصاف وحب التيسير ان نميل إلى جانب العامل المعنوي واللفظي، وننصرف عن العامل " بمعنى المتكلم "؛ ذلك أن العامل اللفظي والمعنوي يسهل على المستعرب ومتعلم اللغة، والناشئ فيها ـ أن يرى العامل إن كان حسياً، ويدركه إن كان معنويا؛ فيضبط كلماته وألفاظه وفاق ما يحس ويدرك في سهولة وخفة. يرى الفعل أمامه فيعلم أنه يتطلب فاعلا مرفوعا، وقد يتطلب مفعولا أو أكثر، ويرى الاسم بعد الفعل فيضبطه مرفعوعا أو منصوباً بحجة أنه فاعل أو مفعول ... أو ... أو ... ويرى حرف الجر والمضاف فيعرف أن كلا يحتاج إلى مجرور فيجر الاسم بعدهما، ويرى المبتدأ أو المضارع فيبادر إلى رفعهما ... وهكذا. فوجود العامل يسهل على المتكلم

/ صفحه 382/

والكاتب الاهتداء إلى الحركة المطلوبة والضبط الصحيح فيما يقع بعدهما، وكأنَّ هذا العامل أمارةٌ قاطعة على المطلوب، ورائد لا يُضَلِّلُ. أما العالم " المتكلم " فلن يعرف ضبط أواخر الكلمات، وما يتصل بها، وما ينشأ عن تصرفها إلا إذا كان عربياً أصيلا؛ ينطق اللغة العربية بفطرته، وتجري على لسانه طائعة بغير أمارات مرشدة، ولا علامات يستوحيها الضبط، ويستبينها ما يتطلبه المقام من حركة دون حركة، ومن ضبط دون آخر، فالأخذ برأي الجمهرة في أمر " العامل " إنما هو أخذ بالأيسر؛ عملا، وتطبيقاً، وإفادة، بالرغم من أنه ليس هو الحق في الواقع المقطوع به؛ ذلك أن الواقع اليقيني يقطع بأن الذي يجلب الحركات ويغيرها ويداور بينها إنما هو: المتكلم؛ ما في ذلك شك. ولكن لا بأس أن ننسى أونتناسى هذا الواقع ما دامت الفائدة محققة في النيسان أو التناسي، والضرر لا أثر له. إنما الضرر كل الضرر أن نسبغ على هذا العامل المصنوع ألواناً من القوة، وصنوفا من المزايا تجعله يتحكم ـ بغير حق ـ في المتكلم، ويفسد عليه تفكيره، ويعقوه في الأداء، ويتناول كلامه الصحيح الفصيح بالتشويه والتجريح، ويفرض عليه طرقا خاصة في التعبير تستمد سلطانها مما أسبغة النحاة على ذلك العامل، لا مما جرى على ألسنة الفصحاء من العرب الخلص، أو مما جاء به التنزيل الحكيم (1) ... وإليك من الأمثلة العجيب الذي يغني في الإبانة عن الإطالة.

أ ـ إذا قلت: محمد ـ هاجماً ـ أسد. كان المثال خطأ عند جمهرة النحاة، على الرغم من شيوع كل هذا التركيب، وشدة الحاجة البيانية إليه في الأساليب المختلفة. إذ يترتب على صحته وقوع الحال من المبتدأ، وهذه الجمهرة لا ترضى أن يكون صاحب الحال مبتدأ. لماذا؟ لأن العامل في الحال عندهم يجب أن يكون هو العامل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير