ــــــــــ
(1) من الغريب ان يقول النحاة ـ كما أشرنا في مكان آخر ـ إن القرآن قد يخرج على غير الغالب كما في قراءة التنوين في قوله تعالى: " ثلاثمائة سنين " وقوله تعالى: " وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا " راجع الصبان باب العدد عند شرح قول ابن مالك:
(وميزوا مركباً بمثل ما ميز عشرون فسوينهما)
/ صفحه 383 /
في صاحبه. والابتداء هنا هو العامل في صاحب الحال؛ فوجب أن يكون هو العامل كذلك في الحال تطبيقاً لرأيهم. ثم يقولون إن الابتداء عامل ضعيف لا يقوى أن يؤثر في شيئين، ولا يصل أثره إلا لواحد منهما، فوجب قَصْره على الأساسي منهما " وهو المبتدا " وترك الآخر تركاً باتاً إن أمكن، والا وجب تغيير العبارة ومجئ الحال فيها على صورة مقبولة نحوياً.
وإذا قلت: هذا ـ هاجماً ـ أسد. كان المثال خطأ كذلك لسبب آخر غير السالف هو أن ـ هاجماً ـ حال من المتبدا اسم الإشارة (ذا) فاسم الاشارة ـ إذاً ـ هو صاحب الحال وهو في محل رفع. وعامل الرفع فيه الابتداء، في حين نجد الذي عمل النصب في الحال هو " ها " التنبيه (لأنها عندهم تتضمن معنى الفعل: " أنَبّه " وتقوم مقامه في نصب الحال) فلا يكون العامل في الحال هو العامل في صاحبها، وذلك محظور عند كثرتهم " وخالفهم سيبويه في المسألتين ".
قد يكون رأيهم مقبولا، وطاعتهم واجبة لو لم ترد النصوص الصريحة الناصعة مخالفة لهم. وهم يرونها فيرفضونها أو يتأولونها تأولا يثير الدهش والألم معاً بدل أن يعيدوا النظر في قاعدتهم. من ذلك ما نقهل الخضري في تأييده لسيبويه، وتسجيل رأيهم. قال ما نصه (1):
(يشهد له ـ أي سيبويه ـ أعجبني وجه زيد مبتسما، وصوته قارئا؛ فإن عامل الحال الفعل، وعامل صاحبها المضاف. وفي قوله: " لمية موحشا طَللٌ " عمل فيها الظرف وفي صاحبها الابتداء. وفي قوله تعالى: " إن هذه أمتكم أمة واحدة "، " وأن هذا صراطي مستقيما " عمل فيها حرف التنبيه وفي صاحبها إن. وفي قوله: " هابيّناً ذا صريح النصح فاصغ له " عمل فيه التنبيه وفي صاحبها غيره) ا هـ.
فأنت ترى أن الأمثلة الصحيحة المأثورة من القرآن وغيره، تخالفهم وتشهد عليهم. فماذا يقولون؟ استمع إلى " الخضري " يجيب عنهم فيقول بعد ذلك مباشرة:
ــــــــــ
(1) حاشية الخضري عند شرح بيت ابن مالك في الحال:
وعامل ضمن معنى الفعل لا حروفه مؤخرا لن يعملا
/ صفحه 384/
(لك أن تمنع أن " موحشا " حال من " طلل ". بل من ضميره في الظرف ليكون حالا من المعرفة. وأما البواقي فالاتحاد موجود فيها تقديرا، إذ المعنى: أشير إلى أمتكم وإلى صراطي، وتنبه لصريح النصح. أي: فالعامل في الحقيقة الفعل الذي أشير إليه بهذه الأدوات؛ كأتمني وأترجي، وفعل الشرط في أما " في نحو: أما علماً فعالم " فغسناد العلم اليها ظاهري فقط. وأما مثالا الاضافة فصلاحية المضاف فيهما للسقوط تجعل المضاف إليه كأنه معمول الفعل. وعلى هذا فالشرط عند الجمهور الاتحاد تحقيقاً أو تقديراً، ومن هنا يظهر وجه منعهم الحال من المتبدا لأن الابتداء لا يصلح عاملا في الحال لضعفه فيحتاج إلى عامل غيره، والاختلاف ممنوع، وأجازه سيبويه بناء على مذهبه من جواز ذلك. قال الرضيّ وهو الحق: إذ لا دليل على وجوب الاتحاد، ولا ضرورة تلجئ لذلك) ا هـ.
أليس الشرط عند ما سماهم الخضري " بالجمهور " مثيراً للدهش والألم كما أسلفنا؟ كيف ساغ له أن يتناول الكلام الأصيل الرفيع ـ قرآناً وغير قرآن ـ بالتأويل، وحرم علينا أن نحاكيه إلا بذلك الشرط العجيب؟ وكيف ارتضى التأويل في أسمى النصوص وأوضح المثل، ولم يرتض لقاعدته التحويل والتبديل؟ وأي شرط هذا الذي يريده ليصح الكلام به؟ إنه الاتحاد في التقدير!! ومعنى هذا الاتحاد أن نخلق في الوهم ـ لا في الحقيقة ـ عاملا يسيطر بتأثيره على الحال وصاحبها معاً، وأن ندع الخيال يخترع هذا العامل ويبتكره. وبهذا الخلق والاختراع الوهمي الخيالي يصح القاسد، ويستقيم المختل!! وهل يعجز خيال عن هذا الذي يريده النحاة؟ وكأن المسألة اعتبارية كما يقولون؛ فإن وجدت الاتحاد قائماً في اللفظ فيها، والا فاعتبره موجوداً في التقدير، فتحل العقدة، وتختفي المشكلة، بل لا داعي لأن تكلف نفسك التقدير الحقيقي الذي تشغل به عقلك؛ فبحسبك أن تستريح منه معتمداً على فهم النحاة إياه، فأى جدلٍ هذا؟ وكيف يرضاه من النحاة جمهورهم
¥