بهذه الطريقة أو بما يشببها يتأولون (1)، ولنَدع المشكلة الإعرابية الكَئُود التي جَدّت ونشأت من هذا التأويل، ونتركها لحرب جدلية أخرى مرهقة يثيرونها ويخوضون غمارها لنسألهم هنا كما سألناهم من قبل: أبهذا التأويل تنفرج الأزمة، وتنحل العقدة، فيصح ذلك الكلام، ويصح محاكاتهن والقياس عليه، أم تبقى المحاكاة ممنوعة والقياس محرما؟ إن كان الجواب هذا أو ذاك فالاعتراض عليه معروف مما سبق على نظيره.
وشبيه بهذا أو قريب منه من حيث أثر الوهم والخيال والتقدير في تصحيح بعض الألفاظ والتراكيب أو تخطئتها ما يقولون من أن متعلق الظرف والجار والمجرور الواقع خبراً ـ يصح أن يكون مفرداً مشتقاً أو فعلا. فمحمد عندك أو في البيت، يُقدَّر: بمحمد مستقر، أو استقر عندك، أو في البيت، أو نحو ذلك (إلا بعد أما وإذا الفجائية فيتعين التعلق باسم الفاعل نحو: أما عندك فزيد، وخرجت فإذا في الباب زيد، لأن " أما " و " إذا " الفجائية لا يليهما فعل ظاهر ولا مقدر) (2) قال الأشموني: (على أن ابن جني سأل أبا الفتح الزعفراني: هل يجوز إذا زيدا ضربته (3)؟ فقال نعم. فقال ابن جني: يلزمك إيلاء إذا الفجائية الفعل ولا يليها إلا الأسماء. فقال لا يلزم ذلك لأن الفعل ملتزم الحذفن ويقال مثله في أما. فالمحذور ظهور الفعل بعدهما لا تقديره بعدهما، لأنهم يغتفرون في المقدرات ما لا يغتفرون في الملفوظات. سلمنا أنه لا يليهما الفعل ظاهراً ولا مقدرا، لكن لا نسلم أنه وليهما فيما نحن فيه، إذ يجوز تقديره بعد المبتدا، فيكون التقدير: أما في الدار فزيد استقر وخرجت فإذا في الباب زيد حصل. لا يقال إن الفعل
ــــــــــ
(1) إلا الرضي فإنه يجيز تقديم الظرف والجار والمجرور على المصدر.
(2) الأشموني والصبان، باب المبتدا والخبر.
(3) يريد: خرجت فإذا زيد ضربته ـ للمفاجأة.
/ صفحه 388/
وإن قدر متأخرا فهو في نية القديم، إذ رتبة العامل قبل المعمول؛ لأنا نقول هذا المعمول ليس في مركزه، لكونه خبراً مقدما) ا هـ.
فهل بعد هذا عبث وإضاعة وقت وبذلك جهد فيما لا طائل وراءه؟ وهل كان العربي الأصيل يعلم شيئاً من هذه المحاورات والمجادلات أو يقدرها أو يدخل في حسابه ـ وهو يتكلم بسليقته وبمقتضى فطرته ـ قليلا أو كثيراً منها؟.
ومن ذلك قولهم: (1) (زيدٌ ضربت عمرا أخاه، فإن قدرت أخاه بدلا امتنعت المسألة ـ أي لم تصح الجملة ـ بناء على المشهور من أن عامل البدل ليس عامل المبدل منه بل مقدر فكأن الضمير من جملة أخرى) ا هـ. لكن لو جعلنا أخاه عطف بيان صح المثال وتوقف القتال كما توقف للسبب عينه في عدة مسائل أباحوا أن تكون عطف بيان لا بدلا وسردوا الكثير منها آخر باب عطف البيان من كتب النحو المطولة كلها.
وقد يرون أن اختصاص العامل لا ينطبق على أمثلة أخرى كثيرة صحيحةن فلا يجدون بداًَ أن يتأولوها أو يبيحوها بحجة أنه قد يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل (2)، أو يقدرون لها عاملا آخر مناسباً (3)، أو غير ذلك مما هو منثور مفرق في كتبهم، وبعضه مجموع " كالذي في الجزء الثاني من المغني في باب خاص بما يغتفر بالثواني ".
وإذا كانت المخالفة في ظرف أو جار ومجرور قالوا إنه يتوسع فيهما مالا يتوسع في غيرهما وهكذا.
ومثل هذا في:
إذا السماء انشقت ... ، وإن أحد من المشركين استجارك
.................. إذا قبب بابطحها بنينا
حيث يُحرمون أن يكون المرفوع بعد أداة الشرط فاعلا مقدما " لأن الفاعل
(1) حاشية الصبان عند الكلام على رابط المبتدأ ج 1 ص 160.
(2) لذلك بعض الأمثلة في حاشية الصبان ج 1 باب المبتدا عند شرح بيت ابن مالك: (وقس وكاستفهام النفي ... ).
(3) لذلك بعض الامثلة في حاشية الصبان ج 1 باب المبتدا عند شرح بيت ابن مالك: (وقس وكاستفهام النفي ... ).
/ صفحه 389 /
لا يتقدم عند البصريين " أو أن يكون مبتدا بحجة أن هذه الأداة مختصة بالدخول على الأفعال وحدها، فدخولها على الأسماء غير سائغ، ومن ثم يكون التركيب خطأ إلا إن قدرنا وقوع فعل بعدها مباشرة يفسره الفعل المذكور، ويكون الفعل المقدر هو العامل في الاسم المرفوع ولا دخل للفعل المذكور به من حيث العمل.
¥