[4] فالذي يحرم أنها فاعل يحتج لذلك بخلوها من «أل» و ما يتصل ذلك (كما جاء في حاشية الخضري). و الذي يحرم أنها تمييز يحتج (كما جاء في الصبيان) بأن الفعل سيكون ضميراً، و «ما» مساوية للضمير في الابهام فكيف تكون مميزة له؟ و أجيب بأ، المراد منها شيء له عظمة أو حقارة أو نحوهما بحسب المقام فتكون أحص منه مع أن التمييز قد يكون للتأكيد، و الفاعل ـ على أنها مميز ـ الضمير المستتر في نعم و بئس ا هـ. فأساس الحرب الكلامية اذا هو انطباق التعليل أو عدم انطباقه، و ليس ورود أسلوب مسموع أو عدم وروده، أو موافقة «ما» لنظائرها من كل ما يقع فاعلا، و لهذا الخلاف أثره العملي الواقعي في تعبيراتنا فالذين يحرمون أن تكون فاعلا و يحتمون أن تكون تمييزا يحرمون رفع ما يجوز أن يقع بعدها من التوابع و يوجبون النصب، و الذين يحرمون أن تكون تمييزا يعكسون فيفرضون الرفع و يمنعون غيره. و المتكلم حائر بين التحليل و التحريم و الايجاب و المنع لا لشيء الا لأن التعليل النحوي يريد هذا ولو خالف المسموع و النظائر و هما يقضيان بأن تكون «ما» فاعلا.
/ صفحه 186/
صريح الرأي في النحو العربي
داؤهُ ودَواؤه
للأستاذ عباس حسن
أستاذ اللغة العربية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة
ـ 9 ـ
ومشكلة أخرى تتصل بنظائرها السابقات، ولكنها أوثق اتصالا بالتعليل وأقوى ارتباطاً به. ولست ـ لولا الحياء وإكبار العلماء ـ أجد اسما أنسب لها من: الأوهام أو الخرافات، أو الفضول أو ما شئت من عنوان يدل على أن ما تحته ليس إلا اللفظ الأجوف، والا فما التسمية الحقة الملائمة لما يأتي ولنظائره التي تطفح بها مطولات النحو، وتفيض بها أمهاته، والكتب التي تكشف عن أسراره كما يقول اصحابها، وفي مقدمتها كتاب " سر صناعة الإعراب " لابن جني، وقد سبقت الإشارة إليه، وكذلك كتاب " الإنصاف " لابن الأنباري، وأشباههما، واليك نماذج:
1 ـ قال الأشموني وحاشيته في باب إنّ وأخواتها ما نصه:
" معنى لكنْ الاستدراك والتوكيد، وليست مركبة على الأصح، وقال الفراء لكن أنّ، فطرحت الهمزة للتخفيف ونون لكن للساكنين كقوله:
ولست بآتيه ولا أستطيعه ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
وقال الكوفيون: مركبة من لا وإنَّ والكاف الزائدة لا التشبيهية، وحذفت الهمزة تخفيفاً ـ أي بعد نقل حركتها إلى الكاف ـ ".
فأي كلام هذا؟ ومن أين جاءوا به؟ أقال لهم العرب ذلك " وحللوا " لهم اللفظة هذا التحليل العجيب، وركبوها هذا التركيب المستغرب، أم أنه كلام
/ صفحه 187/
مرسل هو بالمزح أشبه؟ لا شك أنه تحليل لا سند له من أسناد الحق والواقع، فسَمِّهِ إذاً ما شئت.
2 ـ وجاء في الأشموني وحاشيته: (في باب ما ولات وإن المشبهات بليس):
(أصل " لات ": " لا " النافية زيدت عليها تاء التأنيث كما في ربتْ وثمتْ، قيل ليقوى شبهها بالفعل، وقيل للمبالغة في النفي، كما في نحو: علامة ونسابة، للمبالغة، وحركت فرقا بين لحاقها الحرف ولحاقها الفعل، وليس لالتقاء الساكنين، بدليل ربت وثمت فإنها فيهما متحركة مع تحريك ما قبلها وقيل اصلها ليس قلبت الياء ألفاً والسين تاء، وهو ضعيف لوجهين: الأول أن فيه جمعاً بين إعلالين، وهو مرفوض في كلامهم لم يجئ منه إلا ماء وشاء ـ أصلهما مَوَه وشوَه ـ قلبت الواو ألفاً والهاء همزة ـ ألا ترى أنهم لم يدغموا في يَطِدُ ويَتِد ـ مضارع وطَد الشئَ وطْداً، أثبته. ووتده وتْدا ثبّته. واصلهما يوِطد ويَوْتد، حذفت الواو لوقوعها بين عدوتيها الياء والكسرة ـ فراراً من حذف الواو التي هي الفاء، وقلب العين إلى جنس اللام ـ أي ليتأتي الإدغام. والثاني أن قلب الياء الساكنة ألفا وقلب السين تاء شاذان لا يقدم عليهما إلا بدليل، ولا دليل، والله أعلم).
فهل رأيت العناء والجهد وإضاعة الوقت فيما لا طائل وراءه؟.
¥