وقد بنى المؤلفون في قواعد الكتابة العربية كتبهم على أساس مما ذكره ابن السراج وألمح إليه ابن درستويه، وقد يزيد بعضهم في عدد الأبواب وقد ينقص بعضهم، لكن الحقيقة واحدة، فابن السراج مثل ذكر في باب البدل ما يتعلق برسم الهمزة، وما يعرض له البدل من الحروف الأخرى، بينما فصل غيره الهمزة عن باب البدل لكثرة احكامها وإن كانت داخلة فيما يبدل من الحروف في الرسم، كما فعل ابن درستويه ()، وكذلك فعل ابن بابشاذ حين جعل مباحث الخط (يعني الكتابة) ثمانية حيث قال: (وجملة الأمر أن مداره على معرفة ثمانية أشياء، وهي: الممدود، والمقصور، والمهموز، والوصل، والقطع، والحذف، والزيادة، والبدل) ().
وكان علماء رسم المصحف قد اتبع عدد منهم هذه الخطة في دراسة الكتابة، فيقول ابن
وثيق: (اعلم- وفقك الله- أن رسم المصحف يفتقر أولا الى معرفة خمسة فصول، عليها مداره:
الأول: ما وقع فيه من الحذف.
الثاني: ما وقع فيه من الزيادة.
الثالث: ما وقع فيه من قلب حرف الى حرف.
الرابع: أحكام الهمزات.
الخامس: ما وقع فيه من القطع والوصل) ().
والمعروف أن الكتابة العربية كانت خالية من نقاط الإعجام وعلامات الحركات ونحوها، في أصل نشأتها، وأن ذلك حادث فيها بعد الإسلام، وصارت المباحث المتعلقة بالعلامات الكتابية علما له أصوله وكتبه، يعرف بعلم النقط والشكل، على نحو ما سنفصل ذلك، وقد ضمن عدد من المؤلفين في قواعد الكتابة العربية كتبهم فصلا عن النقط والشكل، وضم بعضهم إليها فصل في أنواع الخط العربي، ولعل ابن درستويه كان أكثرهم عناية بذلك في كتابه (الكتّاب).
وقد تكون أشمل خطة لدراسة الكتابة العربية هي التي اعتمدها نصر الهوريني في كتابه (المطالع النصرية)، وهي تتألف من مقدمة ومقصد وخاتمة. فالمقدمة تتضمن أربع مباحث، سماها (فوائد) وهي:
الأولى: في معنى الكتابة.
والثانية: في أصول الكتابات كلها.
والثالثة: في أولية الكتابة العربية.
والرابعة: في مبادئ الفن.
والمقصد الذي هو أصل الموضوع منحصر في أربعة أبواب:
الباب الأول: في بيان ما يجب أن يفصل، وما يجب أن يوصل.
الباب الثاني: في الحروف التي يختلف رسمها بحسب الإبدال، وهي: الهمزة، وأحرف العلة، وهاء التأنيث، ونحوها.
الباب الثالث: فيما يزاد من الحروف.
الباب الرابع: فيما يحذف من الحروف.
أما الخاتمة ففي الشكل والنقط ().
ويتلخص من هذا العرض أن الكتابة العربية دراسة وافية، تحقق الغاية المرجوة في تعليم الكتابة الصحيحة، وفي تفهم ظواهرها التي لا تتطابق مع النطق، ومعرفة دلالة العلامات الكتابية وكيفية استعمالها يجب أن تشمل على الجوانب الآتية:
(1) أصل الكتابة العربية وتأريخ تطورها.
(2) دلالة العلامات الكتابية وتأريخها.
(3) قواعد رسم الكلمات وما فيها من حذف أو زيادةأو بدل، أو وصل وفصل.
(4) أنواع الخطوط العربية.
وسوف أستوفي دراسة هذه الجوانب في دراسة مستقلة، أضم إليها فصلا عن مستقبل الكتابة العربية، أبحث فيها-إن شاء الله- ما يوجه الى الكتابة العربية من مطاعن، وما دعا إليه بعض الدارسين من تغيير الحرف العربي، وأبين حقيقة تلك المطاعن والدعوات، وقيمتها في نظر البحث اللغوي، وميزان العلم وواقع الحال.
الفصل الثاني
أصل الكتابة العربية
إن البحث في أصول الكتابات القديمة أمر لا يخلو من المصاعب، فتقادم الأزمان وندرة الوثائق في كثير من الأحيان، والغرض في هذا الفصل إطلاع القارئ على آراء الباحثين والمؤرخين في أصل الكتابة العربية، وهو أمر مفيد في تفهم خصائص الكتابة العربية القديمة، وفي توضيح مراحل تطورها اللاحقة.
المبحث الأول: أنواع الكتابة
لعل من المناسب هنا الأشارة على نحو موجز إلى الصورة الأولى للكتابة الإنسانية، منذ اختراعها، وما آلت إليه في تطورها في العصور اللاحقة، وتتفق كلمة الدارسين اليوم على أن الكتابة بدأت تصويرية ثم صارت مقطعية، ثم انتهت الى الكتابة الأبجدية ():
1 - الكتابة التصويرية- الرمزية:
¥