(أ) إن هذه الكلمات الواقعة على حروف الهجاء لم تزل مستعملة على وجه الدهر عند كل أمة وجيل من سكان الشرق والغرب في تعليم الهجاء.
(ب) إن أصول الهجاء العربي مؤسسة على أ ب ت ث ... ، وأن تأليف الحروف على نسق أبجد هوز واستعماله عند العرب منقول عمن تقدمهم.
(ج) إن هذا الخبر صادر عن رجل كان يولد الأخبار وينتحل الأشعار ().
(3) وقال هشام الكلبي أيضا: ان أول من وضع الخط العربي ثلاثة رجال من تولان، حي من طي، سكنوا الأنبار، وقيل بقّة، وهما من القرى العربية الكائنة على الفرات غربي العراق، قبل الإسلام اجتمعوا فوضعوا الكتابة العربية، وفي رواية: وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية، وهم: مُرامر بن مُرَّة، وأسلم بن سِدْرة، وعامر بن جَدَرة، فأما مرامر فوضع الصور، واما أسلم ففصل ووصل، وأما عامر فوضع الإعجام. وبعض المصادر ترفع الخبر الى ابن عباس، ? ().
وقديما قال ابن العربي معلقا على هذه الرواية: (الكلبي متهم لايؤثر نقله) (). في الرواية الى جانب ضعف الاسناد قضايا توقف عندها الباحثون المحدثون منها طبيعة الأسماء التي يبدو عليها أثر الصنعة، وماورد في بعض الروايات أنهم قاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية، الراجح أن لكل من الكتابة العربية والكتابة السريانية تطوره المستقل عن أصلها القديم وهو الخط الآرامي (). اضافة الى أن ماتشير اليه الرواية من قدم الإعجام في الكتابة العربية لم يقم دليل عليه.
وترسم بعض المصادر العربية القديمة طريقا لأنتقال الكتابة العربية الى الحجاز بناء على هذه الرواية. وقد نقل ابن قتيبة عن شيخه أبي حاتم أنه قال عن الكتابة العربية: (ومن الأنبار انتشرت في الناس) (). ونقل ابن أبي داود عن الشعبي أنه قال: (سألت المهاجرين: من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الحيرة، وسألنا أهل الحيرة: من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الأنبار) ().
(4) كان الخط العربي قديما يسمى (الجزم) ()، وقد نقلت كتب اللغة والمعاجم القديمة تفسيرا لهذه التسمية، عن أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني البصري (ت255هـ) وذكرت أنه قال: (سمي جزما لأنه جزم عن المسند، أي أخذ منه) (). قال ابن جني: (معنى جزم: أي قطع منه وولد عنه) (). والمسند هو خط أهل اليمن قبل الأسلام، وقد تقدم الحديث عنه.
ولم تتوقف أكثر المصادر العربية القديمة عند هذا الرأي في أصل الخط العربي الشمالي، حتى جاء ابن خلدون فبنى عليه رأيه في أصل الخط العربي، وطريق انتقاله الى الحجاز، فقال في المقدمة: (وقد كان الخط العربي بالغا مبالغه من الإحكام والإتقان والجودة في دولة التبابعة، لما بلغت من الحضارة والترف، وهو المسمى بالخط الحميري. وانتقل منها الى الحيرة لما كان بها من دولة آل المنذر نسباء التبابعة في العصبية، والمجددين لملك العرب بأرض العراق. ولم يكن الخط عندهم من الإجادة كما كان عند التبابعة، لقصور ما بين الدولتين، فكانت الحضارة وتوابعها من الصنائع وغيرها قاصرة عن ذلك. ومن الحيرة لقنه أهل الطائف وقريش فيما ذكر ... فالقول بأن اهل الحجاز إنما لقنوها من الحيرة، ولقنها اهل الحيرة من التبابعة وحمير هو الأليق من الأقوال) ().
وسنجد أن للمحدثين اعتراضات على هذه النظرية التي تربط بين المسند والخط العربي الشمالي، على الرغم من أن لها مؤيدين أيضا، لكن ما يجب ذكره هنا هو أن ابن خلدون قد تنبه في موضع آخر من المقدمة الى أن هناك فرقا بين الخطين، وذلك حيث قال: (ثم الكتابة مختلفة باصطلاحات البشر في رسومها وأشكالها، ويسمى ذلك قلما وخطا، فمنها الخط الحميري، ويسمى المسند، وهو كتابة حمير وأهل اليمن الأقدمين، وهو يخالف كتابة العرب المتأخرين من مضر، كما يخالف لغتهم، وإن [كان] الكل عربيا) ().
تلك هي أشهر الروايات والأقوال القديمة في أصل الخط العربي، وهي تتصف بثلاث نقائص:
(1) عدم اعتمادها على الوثائق، أي النقوش الكتابية القديمة.
(2) تعارضها على نحو يمنع التوفيق بينها.
(3) ضعف أسانيدها واتهام رواتها، مما يضعف الثقة بها عموما.
ثانيا: آراء الدارسين المحدثين
¥