ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[18 - 12 - 05, 11:18 ص]ـ
وأما رفع الأسماء الخمسة بالألف فهي لغة لبعض العرب مشهورة جدا في كتب النحويين،
قال ابن مالك:
وارفع بواو انصبن بالألف ... واجرر بياء ما من الأسما أصف
من ذاك ذو إن صحبة أبانا ... والفم حيث الميم منه بانا
أب أخ حم كذاك وهن ... والنقص في هذا الأخير أحسن
وفي أب وتالييه يندر ... وقصرها من نقصهن أشهر
فقول ابن مالك (وقصرها من نقصهن أشهر) يعني أن لغة القصر لها نوع شهرة.
وكونها لا تعجب المؤلف لا يعني أن نرفضها وننكرها، فليختر لنفسه ما شاء من اللغات، ولكن بأي حق يتحجر واسعا، ويستنكر على باقي قبائل العرب من كلامهم ما أخذه شيوخه وشيوخ شيوخه وجميع علماء اللغة من أيام الخليل بن أحمد إلى أيامنا هذه.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[18 - 12 - 05, 11:21 ص]ـ
وأما تحبيذه الرجوع إلى القياس والعقل،
فمن المعلوم أن اللغة مرجعها الأول إلى السماع عن العرب، وهذا بلا خلاف بين أهل اللغة،
وإنما اختلفوا في مسائل من القياس،
ولكنهم لم يختلفوا في حجية السماع وأنه هو الأصل والأساس في تقعيد القواعد واستنباط المسائل، فإذا كان المؤلف يحبذ الرجوع إلى القياس والعقل، فلا أدري ما مدخل العقل في الموضوع، فاللغة لها قواعدها وأصولها التي استنبطها علماؤنا من النقل فالأمور كلها إما نقل محض، أو قياس على ما نقل عن العرب، فعلم أن عمدة الأمر إنما هي النقل، وليس للعقل مدخل في الموضوع، لأن العقل ليس له لغة؛ لأن العقلاء موجودون في جميع العالم يتكلمون بجميع اللغات، وإن كنت تزعم أن لك عقلا فوق ما عند غيرك من العقلاء، فقد حكمت على كلامك بالبطلان؛ وإن كنت تزعم أن غيرك من العقلاء يوافقونك على كلامك، فهو باطل، لأنه قد علم أن كثيرا من ترجيحاتك التي تزعم أنها مبنية على العقل لا يوافقك فيها كثير من العلماء الذين هم أعقل وأفهم لكلام العرب.
فظهر بهذا أن الاعتماد على العقل كما يدعيه المؤلف لا أصل له.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[18 - 12 - 05, 11:27 ص]ـ
قال:
(فنحن لا نستطيع الاعتماد على ما قاله جميع الأعراب؛ لأن بعضهم لا يخلو من الغباوة، وأضرب مثلا لذلك ما حدث لراوية شعر ذي الرمة صالح بن سليمان، حين كان ينشد قصيدة لذي الرمة، وأعرابي من بني عدي يسمع، فقال: أشهد عَنَّك – أي أنك – لفقيه تحسن ما تتلوه، وكان يحسبه قرآنا).
قلت:
ذكر أن بعض الأعراب لا يخلو من الغباوة، وهذا حق فجميع أجناس البشر من جميع البلاد لا يخلو أن يكون بعضهم غبيا مغفلا، وهذا موجود في جميع البشر، ولكن من الذي يحكم على هذا الأعرابي أو ذاك بأنه غبي أو ذكي؟ وما هي مقاييس ذلك، وفي أي باب من أبواب اللغة ذكر العلماء ذلك، أم أن هذا من بنات أفكارك، ومن اختراعات ترهاتك؟
وهل يذكر علماء اللغة صفات الأعراب الذين ينقلون كلامهم إلينا حتى نعرف من الذكي أو الغبي فيهم؟ وإذا سلمنا جدلا أن الأعراب الأغبياء لا نقبل كلامهم، فالمؤلف نفسه لم يلتزم بهذا المنهج في كتابه، بل ينكر ما شاء حسب عقله، ويوافق على ما شاء حسب فهمه، ولا يذكر شيئا عن غباء هذا الأعرابي أو ذاك، إلا ما ذكره في الجملة هاهنا، وهي كما ترى جملة واسعة فضفاضة لا تستند إلى ركن ركين ولا إلى أصل أصيل، وكذلك لا تستند إلى نقل من أئمة اللغة ولا علماء النحو.
وكذلك فالقصة التي احتج بها لا تدل على غباء هذا الأعرابي، فالأعرابي الذي لم يسمع القرآن ولم يعرف أسلوبه ليس من المستغرب أن يظن بعض الكلام قرآنا أو يظن القرآن كلاما،
وأذكر أن مصحف عبد الله بن مسعود كان يخلو من المعوذتين لأنه رضي الله عنه كان يظنهما دعاء لا قرآنا.
وقصة امرأة عبد الله بن رواحة لما ظنت شعره قرآنا مشهورة، وإن كان في سندها كلام
ولكن لم يقل أحد إنها غبية أو مغفلة، وحتى لو فرضنا أن ذلك دليل غباوة وتغفيل فلم يقل أحد من علماء اللغة: إن من شرط الأعرابي الذي تؤخذ عنه اللغة أن يكون ذكيا ألمعيا فطنا؛
لأن الذي غاب عنك يا سيدي أن العرب الذين يؤخذ بكلامهم في اللغة إنما يؤخذ منهم لأنهم يتكلمون بالسليقة مطبوعين بلا تكلف، فهي لغتهم التي لا يستطيعون أن يتحولوا عنها، ومن هنا كان الاحتجاج بكلامهم فيها.
قال الشاعر:
ولست بنحوي يلوك لسانه **** ولكن سليقي أقول فأعرب
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[18 - 12 - 05, 11:28 ص]ـ
قال:
(واستنكرت أيضا بعض ما جاء في الشعر الجاهلي أو الإسلامي مخالفا القياس والقواعد النحوية، كقول أبي النجم العجلي:
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها)
قلت:
هذه لغة نص عليها جمهور النحويين، ولم يستنكرها أحد منهم، وليس فيها ما يستنكر، وقد خرجها كثير من النحويين على أوجه مقبولة من القياس، فلا وجه لديك لإنكارها لا من السماع ولا من القياس، ولكن من عقلك الفاسد فقط. والعجب كل العجب منك إذ تنكر على العرب الأقحاح كلامَهم، ثم تحتج بما ورد في كلام الزبيدي في التاج من كلام نفسه، أو في كلام الفيومي في المصباح. مع أن هؤلاء من متأخري اللغويين جدا، وكلامهم لا يحتج به بالإجماع، فانظر في أي مهاوي التناقض وقع.
وهذه اللغة أعني لزوم المثنى الألف هي لغة محكية عن بني الحارث وبني الضخم وبني العنبر وزَبِيد وعُذرة وسراة وخثعم وكنانة، وحكى هذه اللغة كبار اللغويين كأبي الخطاب وأبي زيد الأنصاري والكسائي.
قال أبو زيد: سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا.
وقال الفراء: وحكى بعضُ بني أسد قال: هذا خطُّ يدا أخي أعرفه.
وقال قطرب: هؤلاء يقولون: رأيت رجلان واشتريت ثوبان.
وقال الشاعر:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغا لناباه الشجاع لصمما
وقال رجل ضبي:
أعرف منها الأنف والعينانا ومنخرين أشبها ظبيانا
وقال غيره:
هياك أن تبكي بشعشعانِ خب الفؤاد مائل اليدان
وقال الشاعر:
تزود منا بين أذناه ضربة دعته إلى هابي التراب عقيم
أقول:
والعدناني يحتج لبعض المسائل بشواهد هي أضعف من خيوط العنكبوت، ولو قيست إلى هذه الشواهد لم تطاولها ولم تبلغ مداها، وليس عنده ما يفرق بين الموضعين إلا التناقض واتباع الهوى.
¥