ومما يبعث على الإسترابة بنقل الناقل أن يعلم منه حرص على الدنيا وتهافت على الإتصال بالملوك ونيل المكانة والحظوة عندهم عندهم فان من كان بهذه الصفة لم يؤمن عليه التغيير والتبديل والإفتعال للحديث والكذب حرصا على مكسب يحصل عليه ألا ترى الى قول القائل ... ولست وان قربت يوما ببائع ... خلاقي ولا ديني ابتغاء التحبب ...
... ويعتده قوم كثير تجارة ... ويمنعني من ذال ديني ومنصبي ...
وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو هذا الذي ذكرناه بقوله ان الأحاديث ستكثر بعدي كما كثرت عن الأنبياء قبلي فما جاءكم عني فأعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله فهو عني قلته أو لم لم أقله 23ب
وقد روي أن قوما من الفرس واليهود وغيرهم لما رأوأ الإسلام قد ظهر وعم ودوخ وأذل جميع الامم ورأوا أنه لا سبيل الى مناصبته رجعوا الى الحيلة والمكيدة فأظهروا الإسلام عن غير رغبة فيه وأخذوا أنفسهم بالتعبد والتقشف فلما حمد الناس طريقتهم ولدوا الأحاديث والمقالات وفرقوا الناس فرقا وأكثر ذلك في الشيعة كما يحكى عن عبد الله بن سبأ اليهودي أنه أسلم واتصل بعلي رضي الله عنه وصار من شيعته فلما أخبر بقتله وموته قال كذبتم والله لو جئتموني بدماغه مصرورا في سبعين صرة ما صدقت بموته ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا نجد ذلك في كتاب الله فصارت مقالة يعرف أهلها بالسبئية وانه قال ان عليا هو الإله وأنه يحيي الموتى وأنه غاب ولم يمت
وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتشدد في الحديث ويتوعد عليه والزمان زمان والصحابة متوافرون والبدع لم تظهر والناس في القرن الذي اثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ظنك بالحال في الأزمنه التي ذمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كثرت البدع وقلت الأمانة
وللبخاري رحمه الله في هذا الباب غناء مشكور وسعي مبرور وكذلك لمسلم وابن معين فإنهم انتقدوا الحديث وحرروه ونبهوا على ضعفاء المحدثين والمتهمين بالكذب حتى ضج من ذلك من كان في عصرهم وكان ذلك أحد الأسباب التي أوغرت صدور الفقهاء على البخاري فلم يزالوا يرصدون له المكاره حتى أمكنتهم فيه فرصة بكلمة قالها فكفروه بها وامتحنوه وطردوه من موضع الى موضع وحتى حمل بعض الناس قلقه من ذلك على أن قال ... ولابن معين في الرجال مقالة ... سيسأل عنها والمليك شهيد ...
... فإن يك حقا قوله فهو غيبة ... وان يك زورا فالعقاب شديد ...
وما أخلق قائل هذا الشعر بأن يكون دفع مغرما وأسر حسوا في ارتغاء لأن ابن معين فيما فعل أجدر بأن يكون مأجورا من أن يكون موزورا وألا يكون في ذلك 24أ ملوما بل مشكورا
ـ[أبو ثغر]ــــــــ[28 - 02 - 06, 08:35 ص]ـ
العلة الثانية وهي نقل الحديث على المعنى دون لفظ الحديث بعينه وهذا الباب يعظم الغلط فيه جدا وقد نشأت منه بين الناس شغوب شنيعة وذاك أن أكثر المحدثين لا يراعون ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم التي نطق بها وانما ينقلون الى من بعدهم معنى ما أراده بألفاظ أخر ولذلك تجد الحديث الواحد في المعنى الواحد يرد بألفاظ شتى ولغات مختلفة يزيد بعض الفاظها على بعض وينقص بعضها عن بعض على أن اختلاف ألفاظ الحديث قد يعرض من أجل تكرير النبي صلى الله عليه وسلم في مجالس عدة مختلفة وما كان من الحديث بهذه الصفة فليس كلامنا فيه وانما كلامنا في اختلاف الألفاظ التي تعرض من أجل نقل الحديث على المعنى
ووجه الغلط الواقع من هذه الجهة أن الناس يتفاضلون في قرائحهم وأفهامهم كما يتفاضلون في صورهم وألوانهم وغير ذلك من أمورهم وأحوالهم فربما اتفق أن يسمع الراوي الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم أو من غيره فيتصور معناه في نفسه على غير الجهة التي أرادها فإذا عبر عن ذلك المعنى الذي تصور في نفسه على غير الجهة التي أرادها فاذا عبر عن ذلك المعنى الذي تصور في نفسه بألفاظ أخر كان قد حدث بخلاف ما سمع عن غير قصد منه الى ذلك وذلك أن الكلام الواحد قد يحتمل معنيين وثلاثة وقد تكون فيه اللفظة المشتركة التي تقع على الشيء وضده كقوله صلى الله عليه وسلم قصوا الشوارب وأعفوا اللحا فقوله أعفوا يحتمل أن يريد وفروا وكثروا ويحتمل أن يريد به قللوا وخففوا فلا يفهم مراده من ذلك الا بدليل من لفظ آخر والمعنيان جميعا موجودان في كلام العرب يقال عفا وبر الناقة اذا كثر وكذلك عفا
¥