واذا كانت عائدة على الله تعالى كانت اضافة صورة آدم اليه على وجه التشريف والتنويه والتخصيص لاعلى معنى آخر مما يسبق الى الوهم من معاني الإضافة فيكون كقولهم في الكعبة انها بيت الله وقد علمنا أن البيوت كلها لله عز وجل وكقوله وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وقد علمنا أن جميع البشر من مؤمن وكافر عباده وانما خصصه بالإضافة الىالله تعالى دون غيره لأن الله تعالى شرفه بما لم يشرف به غيره وذلك أنه عز وجل شرف الحيوان على الجماد وشرف الإنسان على جميع الحيوان وشرف الإنبياء عليهم السلام على جميع نوع الإنسان وشرف آدم على جميع بنيه بأن خلقه دفعة من غير ذكر ولا أنثى ودون أن ينتقل من النطفة الى العلقة ومن العلقة الى المضغة وسائر أحوال الإنسان التي يتصرف فيها الى حين كماله ونسب خلقه الى نفسه دون سائر البشر فقال لما خلقت بيدي ونفخت فيه من روحي وأسجد له ملائكته ولم يأمرهم بالسجود لغيره فنبهنا عليه السلام بإضافة صورته الى الله تعالى على هذه المنزلة التي تفرد بها دون غيره ويدل على صحة هذا التأونل قوله ونفخت فيه من روحي وقوله ولا أعلم ما في نفسك 28أ وقوله لما خلقت بيدي فكما لا تدل اضافة هذا الأشياء اليه على أن له نفسا وروحا ويدين فكذلك اضافة الصورة اليه لا تدل على أن له صورة وقد يجوز في اضافة الصورة الى الله تعالى وجه فيه غموض ودقة وذلك أن العرب تستعمل الصورة على وجهين
أحدهما الصورة التي هي شكل مخطط محدود بالجهات الست كقولك صورة زيد وصورة عمرو
والثاني يريدون به صفة الشيء الذي لا شكل له يحس ولا تخطيط ولا جهات محدوده كقولك ما صورة أمرك وكيف كانت صورة قصتك يريدون بذلك الصفة فقد يجوز أن يكون معنى خلق آدم على صورته أي على صفته فيكون مصروفا الى المعنى الثاني الذي لا تحديد فيه فإن قلت ما معنى هذه الصفة وكيف تلخيص القول فيها فالجواب أن معنى ذلك أن الله تعالى جعله خليفة في أرضه وجعل له عقلا يعلم به ويفكر ويسوس ويدبر ويأمر وينهي وسلط على جميع ما في البر والبحر وسخر له ما في السموات والأرض
وقد قال في نحو هذا بعض المحدثين يمدح بعض خلفاء بني أمية ... أمره من أمر من ملكه ... فاذا ما شاء عافى وابتلى ...
فيكون معنى قولنا في أدم صلى الله عليه وسلم أنه خلق على صورة الله تعالى كمعنى قولنا فيه انه خليفة الله تعالى وهذه التأويلات كلها لا تقتضي تشبيها ولا تحديدا
فإن قلت كيف تصنع بالحديث المروي عنه صلى الله عليه وسلم رأيت ربي في أحسن صورة وهذا لا يمكنك فيه شيء من التأويل المتقدم ولا يصح لك حمله عليه فالجواب أن هذا الحديث ورد بلفظ مشترك يحتمل معنيين
أحدهما أن يكون قوله في أحسن صورة راجعا الى الرائي لا الى المرئي فيكون معناه رأيت ربي وأنا في أحسن صورة
والثاني أن يكون قوله في أحسن صورة راجعا الى المرئي وهو الله تعالى فيكون معناه رأيت ربي على احسن صفة فتكون الصورة بمعنى الصفة التي لا توجب تحديدا كما ذكرنا وهذا في العربية كقولك رأيت زيدا وأنا في الدار فيجوز أن يكون قولك في الدار لك 28ب كأنك قلت رأيت زيدا وأنا في الدار ويجوز أن يكون المعنى رأيب زيدا وهو في الدار وعلى هذا تقول رأيت زيدا قاعدا مائما ولقيت زيدا راكبين قال الشاعر ... فإذا لقيتك خاليين لتعلمن ... أيي وأيك فارس الاحزاب ...
فإذا كان التقدير رأيت ربي وأنا في أحسن صورة كان معناه أن الله تعالى حسن صورته ونقله الى هيئة يمكنه معها رؤيته اذ كان البشر لا تمكنهم رؤية الله تعالى على الصورة التي هم عليها حتى ينقلوا الى صورة أخرى غير خورهم ألا تري أن المؤمنين يرون الله تعالى على الصورة التي هم عليها في الأخرة ولا يرونه في الدنيا لأن الله تعالى ينقلهم عن صفاتهم الى صفاتهم الى صفات أخرى أعلى وأشرف فعجل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم هذه الكرامة قبل يوم القيامة خصوصا دون البشر حتى رأه وشاهده والله يؤتي فضله من يشاء ويختص بكرامته من يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
وذا كان ذلك راجعا الى الله تعالى كان معناه أنه راى ربه على أحسن ما عوده من انعامه واحسانه واكرامه وامتنانه كما تقول للرجل كيف كانت صورة أمرك عند لقاء الملك فيقول خير صورة أعطاني وأنعم علي وأدناني من محل كرامته وأحسن الي
فهذان تأويلان صحيحان خارجان على أساليب كلام العرب دون تكلف ولا خروج من مستعمل الى تعسف
وقد جاء في بعض الحديث انها كانت رؤية في المنام فإذا كان الأمر كذلك كان التأويل واضحا لأنه لا ينكر رؤية الله تعالى في المنام
ورواه بعضهم رأيت ربي بكسر الباء وقالوا هو غلام كان لعثمان رآه في النوم ورواه آخرون رأيت رئيي والرئي ما يتراءى للإنسان من ملك أو شيطان أرده بذلك أنه رأى جبريل عليهما السلام وبالله التوفيق لا رب غيره
ـ[أبو ثغر]ــــــــ[28 - 02 - 06, 08:44 ص]ـ
العلة السابعة
وهي أن يسمع المحدث بعض الحديث ويفوته سماع بعضه كنحو ما روي من أن عائشة رضي الله عنها أخبرت أن أبا هريرة حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان يكن الشؤم ففي ثلاث الدار والمرأة والفرس وهذا حديث معارض لقوله 29أ صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا هامة ولا صفر ولا غول وقد رويت عنه في أحاديث كثيرة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التطير فغضبت عائشة رضي الله عنها وقالت والله ما قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قط وانما قال كان أهل الجاهلية يقولون ان يكن الشؤم ففي ثلاث الدار والمرأة والفرس فدخل أبو هريرة فسمع آخر الحديث
ولم يسمع أوله وهذا غير منكر أن يعرض لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر في مجالسه الأخبار حكاية ويتكلم بما لا يريد به نهيا ولا أمرا ولا أن يجعله أصلا في دينه وشيئا يستن به وذلكك معلوم من فعله ومشهور من قوله
¥