ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[06 - 04 - 06, 08:30 م]ـ
وفقكم الله.
أسباب إقلال النحاة من الاحتجاج بالحديث:
اجتهد بعض القدماء من النحاة وبعض الدارسين من المعاصرين في تعليل قلة استشهاد أئمة النحاة وواضعي قواعده الأوائل بالحديث النبوي ... فكان الآتي:
قال أبو الحسن ابن الضائع < تـ680 > في شرح الجمل " مخطوط بدار الكتب رقم 19 نحو جـ2 ورقة 72 ": ( ... قلت: لو كان مرويا في متن الحديث لم يصح أنه من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأنه قد تبين في أصول الفقه أنه يجوز نقل الحديث بالمعنى، وعليه حذاق العلماء، فهذا هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث، واعتمدوا في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب، فلولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأولى إثبات فصيح اللغة حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأنه من المقطوع أنه أفصح العرب).
ويقول في موطن آخر من كتابه المشار إليه 1/ورقة 34 أ: ( ... وقد تقدم غير مرة أن الحديث وقع في روايته تصحيف كثير ولحن، هذا مع أنهم كانوا يجوزون النقل بالمعنى، وعليه حذاق العلماء، وإن كان المحدثون أخيرا قد تجنبوا هذا كثيرا وحافظوا عليه، لكن لم تبق ثقة مع تجويز من تقدم ذلك فيه).
ويقول أبو حيان < 745 > – رحمه الله – في شرح التسهيل مخطوط بدار الكتب المصرية رقم 62 نحو جـ 5 ورقة 168 – 170: (وقد لهج هذا المصنف [ابن مالك] في تصانيفه بالاستدلال بما وقع في الحديث في إثبات القواعد الكلية في لسان العرب بما روي فيه، وما رأيت أحدا من المتقدمين و لا المتأخرين سلك هذه الطريقة غير هذا الرجل ... ... وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال: إنما تنكب العلماء ذلك لعدم وثوقهم أن ذلك نفس لفظ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذ لو وثقنا به لجرى مجرى القرآن الكريم في إثبات القواعد الكلية به، وإنما كان ذلك لأمرين:
أحدهما: أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى فنجد قصة واحدة قد جرت في زمانه فقال فيه لفظا واحدا فنقل بأنواع من الألفاظ بحيث يجزم الإنسان بأن رسول الله لم يقل بتلك الألفاظ جميعها، نحو ما روي من قوله عليه السلام: < زوجتكها بما معك من القرآن >، < و ملكتها بما معك >، وغير ذلك من الألفاظ الواردة في هذه القصة، فنعلم قطعا أنه لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ، بل لا يجزم بأنها قال بعضها، أو يحتمل أنه قال لفظا مرادفا لهذه الألفاظ غيرها، فأتت الرواة بالمرادف، إذ هو جائز عندهم النقل بالمعنى، ولم يأتوا بلفظه إذ المعنى هو المطلوب، ولا سيما مع تقادم السماع، وعدم ضبطه بالكتابة، والاتكال على الحفظ، والضابط فيهم من ضبط المعنى، أما ضبط اللفظ فبعيد جدا لا سيما والأحاديث الطوال التي لم يسمعها الراوي إلا مرة واحدة، ولم تمل عليه ... وقد قال سفيان الثوري فيما نقل عنه: " إن قلت لكم: إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني، إنما هو المعنى "، ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم إنما يروون بالمعنى).
ـ[ابن السائح]ــــــــ[06 - 04 - 06, 08:48 م]ـ
تاريخ الاحتجاج النحوي بالحديث الشريف بحث وثائقي للتأصيل - تأليف الأستاذ فخرالدين قباوة - غلاف - 366 صفحة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=438904&postcount=89
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[07 - 04 - 06, 09:39 م]ـ
جزاك الله خيرا ... كتاب الأستاذ قباوة سبقت الإشارة إليه مع ذكر دار النشر في المشاركة 19.
==========================
ثم أردف أبو حيان قائلا:
(الأمر الثاني: أنه وقع اللحن كثيرا فيما روي من الحديث لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع، ولا تعلموا لسان العرب بصناعة النحو، فوقع اللحن في نقلهم وهم لا يعلمون ذلك، ووقع في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب، ونعلم قطعا – غير شك – أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان أفصح الناس فلم يكن ليتكلم إلا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها، وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريقة الإعجاز وتعليم الله ذلك له من غير معلم إنساني ولا تلقف لها من أهلها، [كحديثه عليه السلام مع النمر بن تولب، ومع الوافدين عليه من غير أهل لغته ... ] والمصنف قد أكثر الاستدلال بما ورد في الأثر متعقبا بزعمه على النحويين، وما أمعن النظر في ذلك، ولا صحب من له التمييز في هذا الفن ... ... وقد قال قاضي القضاة محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني – وكان ممن قرأ على المصنف – قلت له: " يا سيدي هذا الحديث روته الأعاجم، ووقع فيه بروايتهم ما يعلم أنه ليس من لفظ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلم يجب بشئ ".
وإنما أمعنت النظر في الكلام في هذه المسألة لئلا يقول مبتدئ: ما بال النحويين يستدلون بقول العرب وفيهم المسلم والكافر ولا يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول كالبخاري ومسلم وأضرابهما، فإذا طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث).
إذن هما سببان قعدا بالنحاة عن الاحتجاج بالحديث النبوي في إثبات القواعد الكلية في علم النحو في اجتهاد ابن الضائع وأبي حيان الغرناطي.
الأول: رواية الحديث بالمعنى.
الثاني: وقوع اللحن في بعض مروياته، و وجود التصحيف في بعض ألفاظه بسبب عجمة كثير من رواته.
¥