ثم قال محمد بن نصر: فأماالمروي عن الحسن، فإن إسحاق ثنا، قال: ثنا النضر، عن الاشعث، عن الحسن، قال: إذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمداً، فإنه لا يقضيها.
قال محمد بن نصر: قول الحسن هذا يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه كان يكفره بترك الصلاة متعمداً، فلذلك لم ير عليه القضاء؛ لأن الكافر لا يؤمر بقضاء ما ترك من الفرائض في كفره.
والمعنى الثاني: أنه إن لم يكن يكفره بتركها، فإنه ذهب إلى أن الله عز وجل إنما افترض عليه أن يأتي بالصلاة في وقت معلوم، فإذا تركها حتى يذهب وقتها فقد لزمته المعصية؛ لتركه الفرض في الوقت المأمور بإتيانه به فيه، فإذا أتى به بعد ذلك، فقد أتى به في وقت لم يؤمر بإتيانه به فيه، فلا ينفعه أن يأتي بغير المأمور به، عن المأمور به.
قال: وهذا قول غير مستنكر في النظر، لولا أن العلماء قد اجتمعت على خلافه.
قال: ومن ذهب إلى هذا، قال في الناسي للصلاة حتى يذهب وقتها، وفي النائم – أيضا-: إنه لو لم يأتي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، لما وجب عليه في النظر قضاؤها- أيضا.
انتهى ما ذكره ملخصاً.
وقد اعترف بأن القياس يقتضي أنه لا يجب القضاء على من تركها متعمداً، فإنه إن كان كافراً بالترك متعمداً، فالقياس أن لا قضاء على الكافر، وإن كان مرتداً.
وإن لم يكن كافراً بالترك، فالقياس أنه لا قضاء بعد الوقت؛ لأن القضاء يحتاج إلى أمر جديد، وليس فيه أمر جديد، وإنما أمر بالقضاء من يكون القضاء كفارة له، وهو المعذور، والعامد لم يأت نص بأن القضاء كفارة له، بل ولا يدل عليه النظر؛ لأنه عاص آثم يحتاج إلى توبة، كقاتل العمد، وحالف اليمني الغموس.
وكيف ينعقد الإجماع مع مخالفة الحسن، مع عظمته وجلالته، وفضله وسعة علمه، وزهده وورعه؟
ولا يعرف عن أحد من الصحابة في وجوب القضاء على العامد شيء، بل ولم أجد صريحاً عن التابعين – أيضا- فيه شيئاً، إلا عن النخعي.
وقد وردت آثار كثيرة عن السلف في تارك الصلاة عمداً، أنه لا تقبل منه صلاة، كما روي عن الصديق – رضي الله عنه -، أنه قال لعمر في وصيته له: إن لله حقاً بالليل لا يقبله بالنهار، وحقاً بالنهار لا يقبله بالليل.
يشير إلى صلوات الليل والنهار.
وفي حديث مرفوع: (ثلاثة لا يقبل لهم صلاة)، ذكر منهم: (الذي لا يأتي الصلاة إلا دباراً) – يعني: [بعد] فوات الوقت.
خرجه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو – مرفوعاً.
وفي إسناده ضعف.
ولكن مجرد نفي القبول لا يستلزم عدم وجوب الفعل، كصلاة السكران في مدة الأربعين، وصلاة الآبق والمرأة التي زوجها عليها ساخط.
فإن قيل: فقد قال تعالى: {فويل للمصلين…. ساهون} [الماعون: 4، 5]، وفسره الصحابة بإضاعة مواقيتها.
وكذا قال ابن مسعود في المحافظة على الصلاة: أي المحافظة على مواقيتها، وأن تركها كفر.
ففرقوا بين تركها وبين صلاتها بعد وقتها.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة خلف من أخبر أنه يضيع الصلاة ويصليها لغير وقتها، وهذا يدل على أن صلاتهم صحيحة.
وقد سئل عن الأمراء وقتالهم؟ قال: (لا، ما صلوا، وكانت على هذا الوجه)، فدل على إجزائها.
قيل: السهو عن مواقيت الصلاة لا يستلزم تعمد التأخير عن الوقت الحاضر؛ فإنه قد يقع على وجه التهاون بتأخير الصلاة حتى يفوت الوقت – أحياناً- عن غير تعمد لذلك، وقد يكون تأخيرها إلى وقت الكراهة، أو إلى الوقت المشترك الذي يجمع فيه أهل الأعذار عند جمهور العلماء، وغيرهم على رأي طائفة من المدنيين.
وهذه الصلاة كلها مجزئة، ولا يكون المصلي لها كالتارك بالإتفاق.
وقد سئل سعيد بن جبير، عن قوله: {فويل للمصلين…. ساهون}؟ فدخل المسجد، فرأى قوماً قد أخروا الصلاة، لا يتمون ركوعاً ولا سجوداً، فقال: الذي سألتني عنهم هم هؤلاء.
وهذه الصلاة مثل الصلاة التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة المنافقين).
وهكذا كانت صلاة الأمراء الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة خلفهم نافلة، فإنهم كانوا يؤخرون العصر إلى اصفرار الشمس، وربما أخروا الصلاتين إلى ذلك الوقت، وهو تأخير إلى الوقت المشترك لأهل الأعذار، وكغيرهم عند طائفة من العلماء.
¥