تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يستحب للمحتضر أن يلبس ثياباً جديداً إن استطاع

ـ[ابن القاضي الأثري]ــــــــ[21 - 01 - 06, 06:18 ص]ـ

مسألة: يستحب للمحتضر أن يلبس ثياباً جديداً إن استطاع

لما أخرجه أبو داود (3114) عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه (أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها).

وأخرجه ابن حباب في صحيحه (16/ 309) دون القصة والحاكم في المستدرك (1/ 659) والبيهقي (3/ 384) وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ في الهداية (1584) وفي الفتح (11/ 391) انظر الصحيحة (1671).

واختلف العلماء في معنى الثياب في الحديث على أقوال ذكر بعضها الخطابي:

أولاها: أن "معني "الثياب" العمل كني بها عنه يريد أنه على ما مات عليه من عمل صالح أوعمل سيء والعرب تقول: فلان طاهر الثياب إذا وصف بطهارة النفس والبراءة من العيب ودنس الثياب إذا كان بخلاف ذلك.

واستدل في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس حفات عراة) فدل ذلك على أن معنى الحديث ليس على الثياب التى هي الكفن. معالم السنن (2/ 263).

وممن أوّل الحديث بالعمل ابن حبان حيث قال في صحيحه (16/ 308): (وقوله عليه السلام "الميت يبعث في ثيابه الذي قبض فيها " أراد به في أعماله كقوله عز وجل ?وثيابك فطهر? يريد به أعمالك فطهر فأصلحها, لا أن الميت يبعث في ثيابه التى قبض فيها, إذ الأخبار الجمة تصرح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً).

ورحج ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر مجموع الفتاوى الكبرى (1/ 83 دارالفكر) وقال في جامع المسائل له (4/ 227): "ولوكان الميت يبعث في ثياب موته لوردت السنة بتجميلها".

فيكون معنى الحديث معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (يبعث كل عبد على ما مات عليه) أخرجه مسلم (2878) وابن ماجه (4230) عن جابر. ليتسنى الجمع بين حديث أبي سعيد وحديث الصحيحين: (الناس يبعثون يوم يبعثون حفاة عراة) وما في الصحيحين أيضاً: (أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم).

وقال بعضهم البعث غير الحشر فقد يجوز أن يكون البعث مع الثياب والحشر مع العري والحفا والله أعلم. معالم السنن (2/ 263) فتح الباري (11/ 391) وهو جمع سائغ. انظر البعث والنشور للبيهقي صـ 69 الاستدراك.

قال الإمام السيوطي في الحاوي (1/ 395) وأخرج الدنبوري في المجالسة عن الحسن قال يحشر الناس كلهم عراة ما خلا أهل الزهد فالأنبياء من باب أولى ... ثم قال: "وهذا له حكم المرفوع المرسل". وفيه نظر لمخالفته ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أول من يكسى إبراهيم وفيها دلالة على أن الناس يحشرون عراة والزهاد من الناس. والله أعلم.

ثانيها: حمل بعضهم حديث أبي سعيد على الشهيد الذي أمر أن يزمل في ثيابه ويدفن فيها, ولا يغسل عنه دمه ولا يغير شيء من حاله بدليل حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً) أخرجه مسلم.

قالوا: ويحتمل أن يكون أبو سعيد سمع في الشهيد فتأوّل على العموم. التذكرة لأحوال الموتى صـ239. فتح الباري (11/ 391).

وبه قال القرطبي "لأن لا تتناقض الأخبار". وقال في التذكرة أيضاً (1/ 210): (ومما يدل قول الجماعة مما يوافق حديث عائشة وابن عباس قول الحق ?ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ? وقوله: ?كما بدأكم تعودون ? لأن الملابس في الدنيا أموال ولا مال في الأخرة, زالت الأملاك بالموت وبقيت الأموال في الدنيا وكل نفس يومئد فإنما يقيها المكاره ما وجب لها بحسن عملها أو رحمة مبتدأة من الله عليها ... ).

ثالثها: العمل بظاهر الحديث وبه قال جماعة من أهل العلم منهم أبو سعيد راوي الحديث, وأبو داود في سننه, والغزالي كما في الفتح. وابن عبد البر حيث قال في الإستدكار (5/ 98): (الحقيقة في كل ما يحتملها اللفظ من الكتاب والسنة أولى من المجاز لأن الذي يعيد خلقاً سوياً يعيده بثيابه إن شاء).وابن قدامة في الشرح الكبير (2/ 305) والحافظ ابن حجر كما سبق.

وقال الألباني في "صحيح موارد الظمآن" (2/ 509) (قلت: الحديث على ظاهره وهو الغيب الذي أمرنا بالإيمان به فلا وجه لتأويله, لاسيما أنه كذلك فهمه أبو سعيد الخذري, فإنه رواه لما حضر الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال ... فذكره, ولا ينافي ما بعده فإنه في الحشر وهذا في البعث فتأمل تهتد) اهـ

رابعها: هناك من حمل الثياب بمعنى الأكفان ومن أدلتهم

ما أخرج ابن أبي الدنيا بسند حسن كما قال الحافظ في الفتح "11/ 391" عن عمرو بن الأسود قال: (دفنا أم معاذ بن جبل فأمر بها فكفنت بثياب جدد وقال: أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يحشرون).

خلاصة المسألة: القول الثالث أرجح الأقوال عندي أما القول الأول والثاني ففيهما تخطئة الصحابي وخروج عن ظاهر الحديث بدون قرينة. والشهادة أخص من الموت, فلا يخصص العام إلا بدليل أو قرينة اقتضت ذلك، وهما منتفيان هنا، وقصة الحديث كافية في ردهما, لأن الراوي أدرى بمرويه ما لم يخالف ظاهر الخبر، ففهمه وتفسيره مقدم على فهم وتفسير غيره. والله أعلم

ولهذا قال الحافظ ابن حجر - بعد كلام ابن حبان السابق- (والقصة التى في حديث أبي سعيد ترد ذلك وهو أعلم بالمراد ممن بعده) تلخيص الحبير (2/ 659).

وأيضاً: فالثياب حقيقة وتأويلها إلى العمل مجاز، والحقيقة مقدمة عليه، ولا يُعدل عنها إلا إذا تعذرت أو دل على المجاز دليل ثابت.

أما القول الرابع: ففيه نظر! , لأن الكفن في الاصطلاح غير الثياب التي مات فيها "فأبو سعيد -راوي الحديث- حمل الحديث على أن الثياب التي يموت فيها العبد يبعث فيها, ولم يقل: إنه يبعث في أكفانه, فإن الكفن غير الثياب التى يموت فيها, فإن عامة الموتى لا يكفنون في ثيابهم التى يقبضون فيها, لاسيما والكفن الذي كفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه مما يمسى فيه, فإنها لم يكن فيها قميصٌ ولا عمامةٌ ... " جامع المسائل (4/ 225 بتصرف يسير).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير