الأول: كما أن الإنسان يشكر على بحثه عن الحق، فإنه يشكر أكثر ويغبط أكثر وأكثر، ويسلم دينه أكثر وأكثر حينما يعيش ويموت وقلبه سليم على إخوانه المسلمين، فضلاً عن أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- حملةِ الشريعة، ومبلغي السنة لبقية الأمة –رضي الله عنهم وأرضاهم- وجزاهم عن الإسلام وأهله خير الجزاء-.
والله العظيم لن يسلم دين المرء، ولن يرتاح باله إلا بهذا المسلك، وتجارب إخواننا الذين تاهوا من هذا المسلك الوخيم –أعني: سب الصحابة كالشيخين، أو معاوية أو عائشة- أكبر شاهد على ذلك، فاسألهم تجد عندهم الخبر اليقين.
واعلم –بارك الله فيك- أن القدح في خير القرون الذين صحبوا الرسول –صلى الله عليه وسلم- يجرُّ إلى القدح في الرسول عليه الصلاة والسلام، كما قال الإمام مالك –وغيره من أئمة العلم-: هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله، وإنما طعنوا في أصحابه؛ ليقول القائل: رجلُ سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً؛ لكان أصحابه صالحين.
وبهذا المسلك –أعني مسلك التسليم وترك الخوض فيما جرى- تسلم من بدعتين قبيحتين:
الأول: بدعةِ الرافضة الذين أعملوا ألسنتهم في شتم الشيخين، وعثمان، ومعاوية وجمع غفير من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
الثاني: بدعةِ النواصب الذين يشتمون علياً وأشياعه –عياذاً بالله من ذلك-.
وأنا –يا رب- أبرأُ إليك من هؤلاء، وأسألك بما سألك به عبادك الصالحون –الذين جاءوا من بعد أصحاب نبيك –صلى الله عليه وسلم-: "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ".
وأرجو أن تتأمل معي هذين الموقفين اللذين وقفهما اثنان من كبار أئمة هذه الأمة:
أما الموقف الأول: فهو موقف الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز عندما قيل له: ما تقول في أهل صفين؟ فقال: تلك دماء طهر الله يدي منها، فلا أحب أن أخضب لساني بها.
وأما الموقف الثاني: فهو موقف الإمام أحمد، حينما قال: إن علياً كان الأحق بالأمر، وكانت طاعته واجبة، فأورد عليه بعضهم فقال: إذا قلت كان إماماً واجبَ الطاعة، ففي ذلك طعن على طلحة والزبير، حيث لم يطيعاه، بل قاتلاه! فقال لهم الإمام أحمد: إني لست من حربهم في شيء!
علق الإمام ابن تيمية على هذا الكلام، مفسراً كلمة الإمام أحمد، فقال:
(يعنى أن ما تنازع فيه عليٌّ وإخوانه لا أدخل بينهم فيه؛ لما بينهم من الاجتهاد والتأويل الذي هم أعلم به مني، وليس ذلك من مسائل العلم التي تعنيني حتى أعرف حقيقةَ حالِ كل واحد منهم، وأنا مأمور بالاستغفار لهم، وأن يكون قلبي لهم سليماً، ومأمور بمحبتهم وموالاتهم، فلهم من السوابق والفضائل ما لا يهدر) [ينظر مجموع الفتاوى 4/ 440].
فهذان موقفان يريحان قلب المسلم، ويسلم له دينه، ويمثلان منهجاً وسطاً في التعامل مع هذه المسائل الكبار، والتي الخلل فيها –سببٌ من أسباب الضلال والانحراف في الاعتقاد- كما هو ظاهر في التاريخ، بل والواقع-.
الثاني: مما أختم به جوابي –أن هذه الفتنة- التي أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- وقعت ومضت بما فيها "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون" فليس من العقل ولا من الشرع أن نختصر ديننا وعقيدتنا، وفهمنا للشريعة في هذه الفتنة العمياء! بل علينا أن نقرأها في سياقها التاريخي الذي يعين على فهم ملابساتها وأسبابها، وأن ننزلها منزلتها اللائقة بها، والتماس العذر فيها لمن أخطأ، فإن الفتنة إذا وقعت عمي أكثر الناس عن فهمها، وإذا أدبرت أدركها كل أحد، وأن نتجاوزها لنقف كثيراً عند السيرة المعصومة –التي أمرنا بالاقتداء بها، والتأسي بها –سيرة محمد –صلى الله عليه وسلم- (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً)، فهي السيرة الخطية التي ستجد فيها الترجمة الحقيقية لهذا الدين: تحقيقاً للتوحيد، وعناية ببقية الأركان، ونصاعة في الأخلاق، وعظمة في حسن المعاملة، وأن نحاول التأسي بها، وأن نطبقها عملياً في حياتنا قدر الإمكان، فذلك –والله- خير وأبقى.
أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شرور أنفسنا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم".
وصلى الله وسلم على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
على هذا الرابط لمن أراد قراءة السؤال الأصلي الذي أجاب عنه الشيخ وفقه الله
http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=24&catid=26&artid=6770
ـ[المسيطير]ــــــــ[30 - 01 - 06, 05:06 م]ـ
جزى الله الشيخ الفاضل الدكتور / عمر المقبل خير الجزاء، وبارك الله له في علمه، وعمله، وعمره، وأهله، وذريته، وماله، ورزقه من خيري الدنيا والآخرة من حيث لا يحتسب.
زاده الله من فضله.
الأخ الكريم / حلية الأولياء
جزاكم الله خير الجزاء.
فلا زلت أستفيد مما تخطه يمينك.
زادك الله من فضله.
¥