[فوائد حول إجابة الدعوة]
ـ[ابن عمر عقيل]ــــــــ[20 - 03 - 07, 11:32 ص]ـ
أجيبوا الداعي إذا دعيتُم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين.
أما بعد,
اعلم وفقك الله لطاعته بأن من حَقُّ المُسلِمِ عَلَى المُسْلِمِ إجابَةُ الدَّعْوَةِ , فقد حث عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم في احاديث كثيرة بل ترجح وجوب إجابة الدعوة عند أكثر أهل العلم لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا دُعِي أحدُكُم إلى الوليمة فلْيأتِها». وفي رواية مسلم قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ َلْيُجِبْ». متفق عليه
بل وقد صرح عليه الصلاة والسلام في احاديث أخرى بأن التارك لإجابة الدعوة عاصي لله ولرسوله , ولذلك بوب البخاري رحمه الله في صحيحه قائلاً: باب من تَرك الدعوة فقد عَصَى الله ورسوله
فأورد رحمه الله حديث أبي هريرةَ رضيَ الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام كانَ يقول: «من ترك الدعوة فقد عَصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم». وعند مسلم بلفظ " فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللّهَ وَرَسُولَهُ "
قال ابن حجر رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث:
قوله (ومن ترك الدعوة) أي ترك إجابة الدعوة، وقوله (فقد عصى الله ورسوله) هذا دليل وجوب الإجابة، لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب. أهـ مختصراً
فلا تُترك الدعوة إلا باسباب يعذر بها المدعو , منها ما ذكره النووي رحمه الله قائلاً: وأما الأعذار التي يسقط بها وجوب إجابة الدعوة أو ندبها فمنها أن يكون في الطعام شبهة أو يخص بها الأغنياء أو يكون هناك من يتأذى بحضوره معه أو لا تليق به مجالسته، أو يدعوه لخوف شره أو لطمع في جاهه أو ليعاونه على باطل، وأن لا يكون هناك منكر من خمر أو لهو أو فرش حرير أو صور حيوان غير مفروشة أو آنية ذهب أو فضة، فكل هذه أعذار في ترك الإجابة، ومن الأعذار أن يُعتذر إلى الداعي فيعذره. أهـ
وقد شاع في هذه الأيام تخصيص الأغنياء بالدعوة وترك الفقراء , وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن هذا الفعل بقوله: " شرُّ الطعام طعامُ الوَليمة، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء " متفق عليه
نقل ابن حجر رحمه الله عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال ” إذا خص الغني وترك الفقير أمرنا أن لا نجيب ”.
وقد ذكر ابن بطال عن ابن عمر رضي الله عنه أنه ميز بين الأغنياء والفقراء فأطعم كلا على حدة فلا يكون في ذلك بأس، والله أعلم.
فالدعوة تكون واجبة على المدعو سواء وصلته بالكتابة أو باللسان أو بالإخبار , وقد أتى ابليس الرجيم الناس من هذا الباب , فبعض الناس لا يجيب الدعوة إلا أذا دعي ببطاقة دعوة بل وبعضهم أذا لم يكتب اسمه أو كتب الأسم بشكل خاطىء لا يجيب الدعوة , وبعضهم أذا دعي في نفس يوم الوليمة أو قبلها بيوم أو يومين فلا يجيب , وبعضهم لا يجيب إن جاءته الدعوة بصورة غير مباشرة كأن يدعوه شخص مرسل من الداعي!!
وقد تكلف الناس في طريقة الدعوة بما يسمى ببطاقات الدعوة وأنتشرت هذه العادات السيئة والمكلفة بين الناس وليس لهم فيها سلف إلا التقليد الأعمى والتنافس على الباطل , وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فقد صح عنه أنه كان يكلف أحد أصحابه ليؤذن الناس ويدعوهم الى الوليمة شفاهةً كما صح أنه قال لأنس رضي الله عنه: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» صحيح مسلم
وكذلك يسن دعوة أناس مخصوصين بأعيانهم كما فعله عليه الصلاة والسلام كما جاء في صحيح مسلم عن انس بن مالك قَالَ لي عليه الصلاة والسلام: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلاَناً وَفُلاَناً وَفُلاَناً. وَمَنْ لَقِيتَ» وَسَمَّى رِجَالاً.
قال النووي رحمه الله:
وفيه أنه يجوز في الدعوة أن يأذن المرسل في ناس معينين وفي مبهمين كقوله: من لقيت من أردت. أهـ
ومن هديه عليه الصلاة والسلام في الولائم , أن يولم بما تيسر عنده , فقد أولم عليه الصلاة والسلام مرة بحيس ومرة بمدين من شعير وأخرى بلحم الشاة كما صح عنه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
ولكنك ترى اليوم من العادات في الولائم ما جُعل واجبٌ على الناس وكأنه شرع سماوي لا يخالف , فالوليمة لا تسمى وليمة اليوم إلا إذا اشتملت على لحوم الماشية , بل قد وجد من لا يجلس الى الطعام أذا لم يكن الطعام من نوع خاص من الماشية كما هي عادة بعض المناطق , والله المستعان.
وهذا مخالف للهدي المحمدي الذي يحث على التواضع وقبول الدعوة ولو كانت من فقير مُعدَم أو مسكين مُعْوِزٌ ويدل على ذلك ما جاء في صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه،؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى كُرَاعٍ فَأَجِيبُوا». صحيح مسلم
وفي البخاري عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لو دُعِيتُ إلى ذِراعٍ أو كُراعٍ لأجَبتُ، ولو أُهدِيَ إليَّ ذِراعٌ أو كُراعٌ لقَبِلتُ». البخاري
وأما العادات بشكل عام يعمل بها ما لم تخالف الشرع أو تتجاوز عن الحد , فالعادات في الولائم لا بأس بفعلها لمن وسع الله عليه في رزقه فيستحب له أن يقدم أحسن الطعام وأجوده من غير إسراف , أما من قدر عليه رزقه ولم يجد سعة في ماله وحاله فله في نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام المثل والقدوة , قال سبحانه {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيَنْفِقْ مِمَّا آتاه اللَّهُ}
فعليكم بالسنة في جميع الأمر فإنها سفينة النجاة من ظلمات هذه الحياة الزائفة الفانية الزائلة , وإياكم الركون الى العادات والتقاليد التي تخالف خير الهدي الشريف.
وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
¥