[جواب أهل العلم عما ورد عن بعض السلف من الإكثار من التعبد فوق ما ورد]
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[27 - 03 - 07, 12:08 ص]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما بعد:
يقرأ طالب العلم في تراجم السلف أن فلانا مكث سنين يصلي الفجر بوضوء العشاء وفلانا كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وما شابه ذلك وقد يتردد طالب العلم في صحة هذا الفعل أو في مخالفته للسنة وقد أجاب أهل العلم عن ذلك ووجهوا فعل السلف في ذلك ,ومن ذلك ما قاله الشاطبي في كتابه الاعتصام (1
398)
قال رحمه الله:
الإشكال الأول: إن ما تقدم من الأدلة على كراهية الالتزامات التي
يشق دوامها معارض بما دل على خلافه فقد [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تورمت قدماه فيقال له: أو ليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا] ويظل اليوم الطويل في الحر الشديد صائما وكان صلى الله عليه وسلم يواصل الصيام ويبيت عند ربه يطعمه ويسقيه ونحو ذلك من اجتهاده في عبادة ربه وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ونحن مأمورون بالتأسي به
فإن أبيتم هذا الدليل بسبب أنه صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا بهذه القضية ولذلك كان ربه يطعمه ويسقيه وكان يطيق من العمل ما لا تطيقه أمته فما قولكم فيما ثبت من ذلك عن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين العارفين بتلك الأدلة التي استدللتم بها على الكراهية؟ حتى أن بعضهم قعد من رجليه من كثرة التبتل وصارت جبهة بعضهم كركبة البعير من كثرة السجود
وجاء عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان إذا صلى العشاء أوتر بركعة يقرأ فيها القرآن كله وكم من رجل صلى الصبح بوضوء العشاء كذا كذا سنة؟! وسرد الصيام كذا وكذا سنة؟! وكانوا هم العارفين بالسنة لا يميلون عنها لحظة
وروي عن ابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم أنهما كانا يواصلان الصيام وأجاز مالك ـ وهو إمام في الاقتداء ـ صيام الدهر يعني إذإ أفطر أيام العيد
ومما يحكى عن أويس القرني رضي الله عنه أنه كان يقوم ليلة حتى يصبح ويقول: بلغني أن لله عبادا سجودا أبدا أنه ينتفل بالصلاة فتارة يطول فيها القيام وتارة الركوع وتارة السجود
وعن الأسود بن يزيد أنه كان يجهد نفسه في الصوم والعبادة حتى يخضر جسده ويصفر فكأن علقمة يقول له: ويحك لم تعذب هذا الجسد؟ فيقول: إن الأمر جد إن الأمر جد
وعن انس بن مالك رضي الله عنه أم امرأة مسروق قالت: كانت يصلي حتى تورمت قدماه فربما جلست خلفه أبكي مما أراه يصنع بنفسه
وعن الشعبي قال: غشي على مسروق في يوم صائف وهو صائم فقالت له ابنته: أفطر قال: ما أردت بي قالت: الرفق قال: يا بنية إنما طلبت الرفق لتعبي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
وعن الربيع بن خيثم أنه قال: أتيت أويسا القرني فوجدته قد صلى الصبح وقعد فقلت: لا أشغله عن التسبيح فلما كان وقت الصلاة قام فصلى إلى الظهر فلما صلى الظهر صلى إلى العصر فلما صلى العصر قعد يذكر الله إلى المغرب فلما صلى المغرب صلى العشاء فلما العشاء صلى إلى الصبح جلس فأخذته عينه ثم انتبه فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك من عين نوامه وبطن لا تشبع
والآثار في هذا المعنى كثيرة عن الأولين وهي تدل على الأخذ بما هو شاق في الدوام ولم يعدهم بذلك مخالفين للسنة بل عدوهم من السابقين جعلنا الله منهم ....
والجواب: أن ما تقدم من أدلة النهي صحيح صريح وما نقل عن الأولين يحتمل ثلاثة أوجه
:
أحدها: أن يحمل أنهم إنما عملوا على التوسط الذي هو مظنة الدوام فلم يلزموا أنفسهم بما لعله يدخل عليهم المشقة حتى يتركوا بسببه ما هو أولى أو يتركوا العمل أو يبغضوه لثقله على أنفسهم بل التزموا ما كان النفوس سهلا في حقهم فإنما طلبوا اليسر لا العسر وهو الذي كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال من تقدم النقل عنه من المتقدمين بناء على أنهم إنما عملوا بمحض السنة والطريقة العامة لجميع المكلفين وهذه طريقة الطبري في الجواب وما تقدم في السؤال مما يظهر منه خلاف ذلك فقضايا أحوال يمكن حملها على وجه صحيح إذا ثبت أن العامل ممن يقتدى به
¥