وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الَّذِي ضُرِبَتْ إلَيْهِ أَكْبَادُ الْإِبِلِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ هُوَ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا زَاهِدًا آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ نَاهِيًا عَنْ الْمُنْكَرِ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ النَّاسَ احْتَاجُوا إلَى شَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ وَلَا رَحَلُوا إلَيْهِ فِيهِ.
وَكَانَ إذَا أَرَادَ أَمْرًا يَسْتَشِيرُ مَالِكًا وَيَسْتَفْتِيهِ كَمَا نُقِلَ أَنَّهُ اسْتَشَارَهُ لَمَّا كَتَبَ إلَيْهِ مِنْ الْعِرَاقِ أَنْ يَتَوَلَّى الْخِلَافَةَ فَقَالَ: حَتَّى أُشَاوِرَ مَالِكًا، فَلَمَّا اسْتَشَارَهُ أَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ هَذَا لَا يَتْرُكُهُ وَلَدُ الْعَبَّاسِ حَتَّى تُرَاقَ فِيهِ دِمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَذَكَرَ لَهُ مَا ذَكَرَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - لَمَّا قِيلَ لَهُ: وَلِّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ - أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَا يَدَعُونَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى تُرَاقَ فِيهِ دِمَاءٌ كَثِيرَةٌ.
وَهَذِهِ عُلُومُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفُتْيَا وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُلُومِ؛ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا عَنْ الْعُمَرِيِّ الزَّاهِدِ مِنْهَا مَا يُذْكَرُ فَكَيْفَ يُقْرَنُ هَذَا بِمَالِكِ فِي الْعِلْمِ وَرِحْلَةِ النَّاسِ إلَيْهِ؟.
ثُمَّ هَذِهِ كُتُبُ الصَّحِيحِ الَّتِي أَجَلُّ مَا فِيهَا كِتَابُ الْبُخَارِيِّ أَوَّلُ مَا يَسْتَفْتِحُ الْبَابَ بِحَدِيثِ مَالِكٍ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَابِ شَيْءٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ لَا يُقَدِّمُ عَلَى حَدِيثِهِ غَيْرَهُ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ ضَرَبُوا أَكْبَادَ الْإِبِلِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَجِدُوا عَالِمًا أَعْلَمَ مِنْ مَالِكٍ فِي وَقْتِهِ.ا. هـ.
ومن العبارات التي اشتهرت عند القاصي والداني في بيان قدر الإمام مالك في الفتوى: " لا يُفْتَى وَمَالِكٌ فِي المَدِينَةِ "، ونسمع كثيرا من الوعاظ والخطباء يوردون قصةً بسبب العبارة، فما هي هذه القصة المنسوبة إلى الإمام مالك؟ والتي بسببها قيل في حقه: " لا يفتى ومالك في المدينة "، هذا ما ستعرفه في السطور التالية.
نَصُ القِصَّةِ:
قال الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان " (6/ 304 – 305): " قرأت بخط الحافظ قطب الدين الحلبي ما نصه: وسيدي أبي عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد وجدت بخط عمي بكر بن محمد بن سعيد بن يعقوب بن إسحاق بن حجر العسقلاني إملاء قال: ثنا إبراهيم بن عقبة، حدثني المسيب بن عبد الكريم الخثعمي، حدثتني أمة العزيز امرأة أيوب بن صالح صاحب مالك قالت: غسلنا امرأة بالمدينة فضربت امرأة يدها على عجيزتها فقالت: " ما علمتك إلا زانية أو مأبونة ". فالتزقت يدها بعجيزتها، فأخبروا مالكا، فقال: " هذه المرأة تطلب حدّها، فاجتمع الناس، فأمر مالك أن تُضرب الحدّ فضربت تسعة وسبعين سوطا، ولم تنتزع اليد، فلما ضربت تمام الثمانين انتزعت اليد، وصلي على المرأة ودفنت ".
وقال الخطيب الشربيني في " مغنى المحتاج " (1/ 358): غريبة: حُكي أن امرأة بالمدينة في زمن مالك غسلت امرأة، فالتصقت يدها على فرجها، فتحير الناس في أمرها هل تقطع يد الغاسلة أو فرج الميتة؟ فاستفتي مالك في ذلك فقال: سلوها ما قالت لما وضعت يدها عليها، فسألوها فقالت: قلت طالما عصى هذا الفرج ربه، فقال مالك: هذا قذف، اجلدوها ثمانين تتخلص يدها، فجلدوها ذلك فخلصت يدها. فمن ثم قيل: " لا يفتى ومالك بالمدينة ".
نَقْدُ العُلَمَاءِ لِلقِصَّةِ:
قال الشيخ مشهور حسن في " قصص لا تثبت " (2/ 78 – 79): هذه القصة مكذوبة مفترة على الإمام مالك، ففيها يعقوب بن إسحاق العسقلاني، ترجمه الذهبي في " الميزان " (4/ 449) فقال عنه: " كذاب "، وقال الحافظ ابن حجر في اللسان " (6/ 304) قبل أن يذكرها عنه: " وقد وجدت له حكاية تشبه أن تكون من وضعه " وسردها.ا. هـ.
وساقها الخطيب الشربيني بصيغة التمريض " حُكي "، وقوله قبلها " غريبة " دالٌ على ضعفها عنده.
ومع قصة أخرى في سلسلة الدفاع عن أئمة المذاهب الأربعة مما ينسبه إليهم أهل البدع.
http://saaid.net/Doat/Zugail/229.htm
ـ[نايف أبو محمد]ــــــــ[25 - 03 - 07, 01:49 ص]ـ
الإمام مالك سيرته جميلة ورائعة
ـ[عبدالرحمن السعد]ــــــــ[27 - 03 - 07, 02:55 م]ـ
ياشيخ احسان في أي كتاب ذمرها العلامة الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله وشفاه؟؟
وهل كتاب عبد الله زقيل مكبوع أم أنه موجود على الشبكة فقط؟؟
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[27 - 03 - 07, 03:22 م]ـ
ج 1:
" التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل " وهو مطبوع.
ج 2:
على الشبكة فقط - فيما أعلم -.
وفقك الله
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[31 - 03 - 07, 07:29 م]ـ
جزاك الله خيرا أيها الشيخ الحبيب (إحسان)
دائما مميز.
وبالنسبة للقصة، فقد أشرت إلى نكارتها، والله أعلم.
¥