تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أفواهكما» فقالا: يا نبي الله، والله ما أكلنا في يومنا هذا لحماً ولا غيره. فقال: «ولكنكما ظلتما تأكلان لحم سلمان وأسامة» فنزلت: {ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُواْ ?جْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ?لظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ?لظَّنِّ إِثْمٌ} ذكره الثعلبيّ. أي لا تظنوا بأهل الخير سواء إن كنتم تعلمون من ظاهر أمرهم الخ

الثانية ـ ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تَناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً» لفظ البخاري. قال علماؤنا: فالظن هنا وفي الآية هو التُّهمَة. ومحل التحذير والنهي إنما هو تُهْمَة لا سبب لها يوجبها؛ كمن يُتّهم بالفاحشة أو بشرب الخمر مثلاً ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك. ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى: «وَلاَ تَجَسَّسُوا» وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء ويريد أن يتجسس خبر ذلك ويبحث عنه، ويتبّصر ويستمع لتحقيق ما وقع له من تلك التهمة. فنهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وإن شئت قلت: والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها، أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراماً واجب الاجتناب. وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأُونِسَت منه الأمانة في الظاهر، فظنُّ الفساد به والخيانة محرم؛ بخلاف من ?شتهره الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث. وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الله حَرّم من المسلم دَمَه وعِرْضَه وأن يُظَن به ظنّ السوء». وعن الحسن: كنا في زمنٍ الظنُّ بالناس فيه حرام، وأنت اليوم في زمن اعمل و?سكُتْ وظُنّ في الناس ما شئت.

الثالثة ـ للظن حالتان: حالة تعرف وتَقْوَى بوجه من وجوه الأدلة فيجوز الحكم بها، وأكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن؛ كالقياس وخبر الواحد وغير ذلك من قِيَم المتلفات وأروش الجنايات. والحالة الثانية ـ أن يقع في النفس شيء من غير دلالة فلا يكون ذلك أولى من ضده، فهذا هو الشك، فلا يجوز الحكم به، وهو المنهي عنه على ما قررناه آنفاً. وقد

أنكرت جماعة من المبتدِعة تعبد الله بالظن وجواز العمل به؛ تحكُّماً في الدِّين ودعوى في المعقول. وليس في ذلك أصل يعوّل عليه؛ فإن البارىء تعالى لم يذمّ جميعه، وإنما أورد الذمّ في بعضه. وربما تعلقوا بحديث أبي هريرة «إياكم والظن» فإن هذا لا حجة فيه؛ لأن الظن في الشريعة قسمان: محمود ومذموم؛ فالمحمود منه ما سلم معه دين الظان والمظنون به عند بلوغه. والمذموم ضدّه؛ بدلالة قوله تعالى: {إِنَّ بَعْضَ ?لظَّنِّ إِثْمٌ}، وقوله: {لَّوْلا? إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ?لْمُؤْمِنُونَ وَ?لْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} (النور: 21)، وقولِه: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ?لسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً} (الفتح: 21) وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أحدكم مادحا أخاه فليقل أحسب كذا ولا أزكِّي على الله أحداً». وقال: «إذا ظننت فلا تَحَقَّق وإذا حسدت فلا تَبْغ وإذا تطيّرت ف?مض» خرّجه أبو داود. وأكثر العلماء على أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبح؛ قاله المهدوِيّ.

الرابعة ـ قوله تعالى: {وَلاَ تَجَسَّسُواْ} وقرأ أبو رجاء والحسن ب?ختلاف وغيرهما «وَلاَ تَحَسَّسُوا» بالحاء.

واختلِف هل هما بمعنًى واحد أو بمعنيين؛ فقال الأخفش: ليس تبعد إحداهما من الأخرى؛ لأن التجسس البحث عما يُكتم عنك. والتحسس (بالحاء) طلب الأخبار والبحث عنها. وقيل: إن التجسس (بالجيم) هو البحث؛ ومنه قيل: رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور. وبالحاء: هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسه. وقولٌ ثانٍ في الفرق: أنه بالحاء تطلّبه لنفسه، وبالجيم أن يكون رسولاً لغيره؛ قاله ثعلب. والأوّل أعرف. جَسَست الأخبار وتجسّستها أي تفحّصت عنها؛ ومنه الجاسوس. ومعنى الآية: خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين؛ أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطّلع عليه بعد أن ستره الله. وفي كتاب أبي داود عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك إن ?تبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» فقال أبو الدرداء: كلمةٌ سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير