[ملحوظات على كلام أحد المشايخ الفضلاء]
ـ[طالب النصح]ــــــــ[28 - 03 - 02, 08:35 م]ـ
هذه ملاحوظات أناقش فيها بعض ما طرحه أحد المشايخ الفضلاء في هذا المنتدى المبارك:
فإن قيل: [قول من يقول: إن المتأخرين من علماء الحديث (كالذهبي والعراقي وابن حجر والسخاوي والسيوطي) أعرف الناس بمنهج المتقدمين في قواعد الحديث, وأنهم نصروا مذهبهم = يؤصل منهج التقليد الأعمى، وينسف أصل السلفية العظيم، وهو الرجوع إلى الدليل الصحيح، وهذا ما نراه في بحوث ودراسات كثير من المعاصرين من المخالفين لنا في منهج دراسة علوم الحديث.
فأصبحنا ضحكة لأهل البدع: نجتهد في الفروع الفقهية، ونقلد في علوم الحديث؟
خاصة وأن المتأخرين الذين تصدوا إلى علم الحديث تأليفا وبيانا لقواعده وشرحا لمصطلحاته قد أخطئوا في بعض ما قرروه، وهذا يعترف به المخالف قبل المؤالف.
وبجمع بعض تلك الأخطاء بعضها إلى بعض، وبعد دراستها لمعرفة سبب وقوع ذلك العالم فيها. ولمعرفة ما إذا كانت مجرد خطأ جزئي أم أنها خطأ منهجي = تبين أن بعض تلك الأخطاء سببها خطأ منهجي، أي في طريقة دراسة ذلك العالم لتلك المسائل ومنهجه في تناولها.
إن خطا المتأخرين في علوم الحديث ليس دائما خطأ جزئيا كغيره من الأخطاء التي يمكن استدراكها بسهولة، ولا يكون له خطورة على العلم ذاته. بل إن بعض تلك الأخطاء نتجت عن خطأ منهجي خطير، قائم (في وجهه السافر) على مشاحة أهل الاصطلاح اصطلاحهم، وعلى مناقضة أصحاب التقعيد تقعيدهم!].
فالجواب: ظاهر هذا الكلام الدعوة إلى نبذ ما قرره المتأخرون جملة وتفصيلاً، وعدم الاستفادة منه، و لا البناء عليه، فهل يصح هذا؟
إن الرجوع إلى كلام المتقدمين والاستفادة منه بالتقييد والتعقيب و الاستدراك على كلام المتأخرين هو سنة علماء علم الحديث المتأخرين، فكيف تعتبر منهج المتأخرين خطأ منهجي خطير، قائم (في وجهه السافر) على مشاحة أهل الاصطلاح اصطلاحهم، وعلى مناقضة أصحاب التقعيد تقعيدهم!! هذه واحدة.
والرجوع إلى كلام العلماء المتقدمين والمتأخرين والاستفادة منه، وذم التقليد للقادر على البحث والنظر؛ أصل مقرر، لا كلام فيه، لكن الإلزام بالرجوع إلى كلام المتقدمين واطراح كلام المتأخرين جملة وتفصيلاً هو الحيف والظلم والتناقض الذي لا نريده، وهذه الثانية.
ثم هناك فرق بين إتباع الدليل وبين إتباع كلام العلماء، فكلام العلماء يحتاج إلى الدليل، لا العكس، وأنت في مسائل المصطلح تدعو إلى أن نتعامل مع كلام المتقدمين كتعاملنا مع الدليل، وتصف من اتبع كلام المتأخرين وأخذ به بأنه كالمقلدة، وهذا قياس باطل لأنه مع قياس مع الفارق!
خاصة إذا تنبهت إلى أن كلام العلماء على الأحاديث هو خبر مشوب بالاجتهاد ليس بخبر محض.
فإذا تبينت أن المتأخرين ساروا على أساس الاستفادة من كلام المتقدمين واعتماده في التقعيد لهذا العلم، فلماذا تستكثر عليهم وتلومهم وتعتبر أن هذا خطأ خطيراً مبني على مناقضة أهل الاصطلاح في اصطلاحهم؟
وإذا تذكرت ما أشرت إليه سابقاً من أنه لا يوجد لدى المتقدمين اصطلاح عام، إنما كانت توجد اصطلاحات خاصة لكل إمام منهم، فهم متفقون في المعنى و لكن لكل اصطلاحه في التعبير عنه، مما يستوجب النظر في دلالة ألفاظهم وعباراتهم كما ذكر المتأخرون، - و لا أظنك تختلف معهم في هذا – فهل تجعل هذا عنواناً على جهل المتأخرين بزعمك وتكلفهم؟! وذلك في قولك: "ولذلك غمضت على المتأخرين كثير من معالمه، وخفيت عليهم معاني بعض مصطلحاته، وصاروا يصرحون في مواطن كثيرة (بلسان الحال والمقال) أنهم مفتقرون إلى الاستقراء والدراسة لأقوال المتقدمين ومناهجهم لاستيضاح معالم علم الحديث ومعاني مصطلحاته التي كانت حية واضحة المعالم عند المتقدمين"
وسؤالي هل تستطيع أنت أن تقول غير هذا الذي قاله المتأخرون من الحاجة إلى الاستقراء لاستجلاء معاني مصطلحات وعبارات جاءت في كلام الأئمة المتقدمين؟
هل تستطيع أن تزعم لنفسك أنك غير مفتقر إلى الاستقراء والدراسة لأقوال المتقدمين ومناهجهم لاستيضاح معالم علم الحديث ومعاني مصطلحاته؟
أليس قول المتأخرين هذا دليل على أنهم يعتمدوا كلام المتقدمين في تقعيدهم وبحثهم؟
أليس قصارى قولك هو الدعوة إلى ما دعى إليه المتأخرون؟
ثم فرق يا أخي بين من يقول: إن المتأخرين من علماء الحديث (كالذهبي والعراقي وابن حجر والسخاوي والسيوطي) أعرف الناس بمنهج المتقدمين في قواعد الحديث, وأنهم نصروا مذهبهم؛ فنحن نبي على كلامهم مستفيدين من جمعهم وشرحهم وكلامهم وتقريراتهم، مستدركين عليهم ما قد يظهر من قصور؛ فرق بين من يقول هذا وبين من يقول بالتقليد الأعمى، فإن المقلد يأخذ بقول غيره دون حجة، ونحن إنما نتبع خبرهم فيما نقلوه لنا من مذاهب المتقدمين والتعبير عن اصطلاحاته، مع ملاحظة ما ينبئ عنه الاستقراء من تقييد أو تخصيص أو نحو ذلك.
: (: (
¥