بل لا يجوز أن يطلق على المسجد الأقصى أنه حرم , لأنه لم يثبت دليل على ذلك من الكتاب و السنة , قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " و الأقصى: اسم للمسجد كله , ولا يسمى هو ولا غيره حرماً وإنما الحرم بمكة و المدينة خاصة ". (6) المبحث الثالث: شد الرحال إليه , وحكمه.شد الرحال في الشرع: أي قصد مكان من الأمكنة والسفر إليه لإقامة الشعائر الدينية عنده , من الدعاء والصلاة والبركة , اعتقاداً منهم أن المكان له ميزة وفضل يميزه عن سائر الأمكنة , وهذا العمل لا يجوز إلا إلى الثلاثة مساجد , ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد , المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا " , فقصد هذه الأماكن والسفر إليها للعبادة والدعاء والذكر و الاعتكاف ... الخ جائز شرعا بل حض الشارع الحكيم على الذهاب إلى هذه الأماكن.
وما سوى هذه المساجد أو الأماكن لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم. (7) فلا يجوز تخصيص مسجد من المساجد والسفر إليه إلا إلى الثلاثة مساجد , فكيف إذا كان المكان ليس مسجداً , وإنما هو مقابر أو مقامات أو مشاهد أو غير ذلك , فلا شك أن التحريم أشد وأغلظ.
فعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" لا تتخذوا قبري عيداً " (8)
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نتخذ قبره عيداً , والعيد إذا جُعل اسما للمكان: فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وإتيانه للعبادة أو لغير العبادة , فان العيد من المعاودة: أي الاجتماع في الأمكنة واعتياد قصدها.
فهذا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو أفضل القبور ـ نهينا أن نتخذه عيدا ومزارا ومجمعا للقاء , إلا إذا زار المسلمون مسجده سُنّ لهم أن يذهبوا إلى قبره ويسلموا عليه فقط دون الدعاء أو غيره.
فإذا كان هذا هو حال قبر النبي صلى الله عليه وسلم , فقبور غيره من الأنبياء فضلا عن الأولياء والصالحين من باب أولى أن لا يشد الرحال إليها , أو الاجتماع عندها لان هذا من الأعمال المنكرة والمردودة.المبحث الرابع: بدع أخرى موجودة في هذا المكان: مما ذكرنا سابقاً عدم جواز قصد هذا المكان للعبادة , ومن المؤسف أن هذا المكان يُعد مزاراً مقدساً يأتيه الناس من كل فج عميق فيقصدونه للعبادة و الدعاء عند قبوره والتبرك بآثاره , وانتظار البركات والفيوضات الروحية , وهذا العمل ورثه الناس من أسلافهم دون أن يكون لهم أدنى دليل على ذلك.وقد وصفت بعض الكتب هذا المكان على أنه محطة أنظار الزوّار بحيث يأتونه ويتبركون به ويدعون عنده , وقد بنيت لهم دور بجانب القبور بقصد الاعتكاف عندها وانتظار المدد والبركات.? قال صاحب معجم البلدان: " وهناك [أي في قبر إبراهيم عليه السلام] مشهد زوّار وقوّام في الموضع وضيافة للزوّار ". (9)
? قال صاحب كتاب آثار البلاد وأخبار العباد: " وفي الموضع ضيافة للزوار , وهو موضع طيب نزه آثار البركة ظاهرة عليه." (10)
? قال صاحب المراصد ـ صفي الدين بن عبد الحق ـ سنة 700ه: " الخليل بلدة بها حصن وعمارة وسوق , بينها و بين القدس يوم , فيها قبر الخليل واسحاق ويعقوب ويوسف في المغارة تحت الأرض وعلى المغارة الآن بناء عليه سور دائر متسع , به قوّام وضيافة لمن يقصدونه للزيارة ". (11)
? قال الراهب فلكس فابري 1480 م:" وشاهدنا في الخليل نزلها الكبير , الكثير الغرف ورأينا المطبخ والفرن وكانوا يعدّون طعاماً كثيراً للحجاج المسلمين الذين يأتون جماعات كبيرة لزيارة قبور الأنبياء ". (12)
? قال التلمساني لما وقف عند قبر الخليل عليه السلام:
خليل الله قد جئناك نرجو شفاعتك التي ليست ترد
أنلنا دعوة واشفع تشفع إلى من لا يخيب لديه قصد
وقل يا رب أضياف ووفد لهم بمحمد صلة وعهد
أتوا يستغفرونك من ذنوب عظام لا تعد ولا تحد (13)
? قال النابلسي: وطائفة الدّارية للآن من أعيان البلاد الخليلية , ولهم هناك المشيخة القادرية , يجعلون الذكر كل يوم جمعة بمسجد الخليل ".
(14)
¥