? قال صاحب " مسالك الأمصار في ممالك الأمصار ": وكان قدومنا هذه المرة على الخليل يوم الاثنين لأربع وعشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وأربعين وسبعمائة:" فبتنا ليلتنا نتبرك بما حوت تلك القبور من العظام , و نعفِّر الوجوه في تلك البقعة المشرفة في مواضع أقدام أولئك الأقوام ". (15)
? قال ناصر خسرو الذي زار المكان عام 438 ه: " حين يخرج السائر من المقصورة إلى وسط ساحة المشهد , يجد مشهدين أمام القبلة: الأيمن به قبر إبراهيم الخليل , وهو مشهد كبير , و من داخله مشهد آخر لا يستطاع الطواف حوله ,ولكن له أربع نوافذ يرى منها.
فيراه الزائرون وهم يطوفون حول المشهد الكبير [هذا الشرك بعينه] وقد كسيت أرضه و جدرانه ببسط من الديباج والقبر من الحجر وارتفاعه ثلاثة أذرع. وعلق به كثير من القناديل والمسارج والمصابيح الفضية [وهي موجودة إلى الآن] ... الخ. (16)
? قال محمد اسحق النحوي: " خرجت مع القاضي أبي عمرو وعثمان بن جعفر بن سادات إلى قبر إبراهيم عليه السلام , فأقمنا ثلاثة أيام (17) [أي عند القبر].
إن انتشار التصوف في تلك الأزمان ساعد على وجود هذه البدع التي يفعلها كثير من الناس وإلى اليوم , وقد كانت مدينة الخليل تعج بالمتصوفة والزوايا الصوفية , يقول أحد الكتاب: (ولعل وجود وسائل الإقامة في المدينة [أي الخليل] كالرباط والسماط , كانت ذات أثر في استقطاب العلماء الزهاد والمتصوفة المسلمين للإقامة بجوار الحضرة الخليلية الشريفة عبر السنين. (18)
ومن البدع أيضا وجود الزخارف في ذلك المكان, و قد جاء في هذا نهي عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: " إذا زخرفتم مساجدكم ,وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم " (19). وهذا العمل يكلف الأموال الباهظة ويدخل في الإسراف المنهي عنه, وفيه تشبه باليهود والنصارى , فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ما أمرت بتشييد المساجد " ثم قال ابن عباس:" لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى". (20)
ومن البدع الموجودة اليوم ما يفعله المؤذنون من التهليل والذكر قبيل صلاة الجمعة , وأيضا الأذان الجماعي فكل هذا من البدع المحدثة التي لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة رضي الله عنهم. ومن هذه التهليلات ما يكون فيها مخالفات شرعية, أذكر منها قولهم: " لولاه [أي النبي صلى الله عليه وسلم] ما كانت الأكوان , ولا خلق إنس قبله ولا جان ". وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم, ولكن أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله " مق. وقولهم هذا: مبناه على الأحاديث المكذوبة على النبي منها " لولاك ما خلقت الأكوان " , " ولولاك ما خلقت الجنة والنار" (21) , إلى غير ذلك من الأحاديث الواهية.
الفصل الثالث: الموقف الصحيح من المسجد الإبراهيمي:
المبحث الأول: حكم بناء المساجد على القبور , والصلاة فيها:
لقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن اتخاذ القبور مساجد والتغليظ فيه , وقد صرّح عامة علماء الطوائف بالنهي عنه متابعة للأحاديث , ولا ريب في القطع بتحريمه , لما روى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فاني أنهاكم عن ذلك ".
وعن عائشة رضي الله عنها , وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نزل برسول الله طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها , فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما صنعوا , أخرجه البخاري ومسلم. وأخرجا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: " قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها: مارية , وقد كانت أم حبيبة وأم سلمة قد أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها و تصاويرها , قالت: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " متفق عليه.
¥