نقول: لأنهم مراتب متفاوتة، فبعض الأشاعرة ينكر علو الله على خلقه وطوائف من الأشاعرة تثبت علو الله على خلقه وفيه طوائف لا يصرحون بإنكار العلو فيقولون نثبت العلو في الجملة ثم يفوضون.
فالسبب وجود شبه لهم امتنعت طوائف من أهل العلم عن تكفيرهم لكن لو ناقشنا أشعرياً وقال أنا لا أثبت علو الله على خلقه وأقول بأن القرآن مخلوق وأقول بأن الله لم يتكلم وأقمنا الحجة عليه وأزلنا عنه الشبهة، ولم يبقى له شبهة ولا تأويل سائغ فحينئذٍ يكفر بذلك لأن أهل السنة في الجملة يقولون بكفر من أنكر العلو والأشاعرة ينكرون العلو. ويقولون بكفر من قال القرآن مخلوق، كما هو قول الجهمية والأشاعرة تقول بذلك، ويقولون بكفر من أنكر أخبار الآحاد وجملة والأشاعرة تقول بذلك ويقولون بكفر من أنكر أو نفى صفة عن الله كما قاله أحمد ومالك وجماعة والأشاعرة ينفون عشرات الصفات عن الله جل وعلا، ولكن لهم تأويل باعتبار أنها أخبار الآحاد وباعتبار أنها يستلزم كذا ويقتضي كذا فلهذا توقف جماعات بل أكثر أهل السنة عن تكفيرهم.
31 - قوله تعالى: قوله ? ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداد يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ? قوله تعالى: ? يحبونهم ? قيل: يحبونهم أي يحبون أندادهم وأوثانهم كما يحبون الله فحينئذٍ يكون قد أثبت الله جل وعلا لهم محبة فتكون محبة الله ثابتة لهم لكن في هذه المحبة شركاً.القول الثاني: يحبون أندادهم كما يحب المؤمنون ربهم هذا التقدير الثاني لهذه الآية. وقد رجح شيخ الإسلام وطوائف من المحققين القول الأول لأنهم إنما ذُموا حين سوَّوا محبة الأوثان والأنداد والمخلوقين بمحبة الله جل وعلا.
وقوله تعالى: ? والذين آمنوا أشد حباً لله ? في تفسيرها قولان لأهل العلم أيضاً: القول الأول: والذين آمنوا أشد حباً لله من أصحاب الأنداد لأندادهم وآلهتهم التي يحبونها ويعظمونها دون الله تعالى. القول الثاني: والذين آمنوا أشد حباً لله من محبة المشركين للأنداد لله.
32 - روى عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن عباس في قوله الله جل وعلا: ? ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ? قال: هي كفر. أي أن الآية على إطلاقها.
فإن الحاكم بغير شرع الله كافر بترك الحكم بما أنزل الله، وكافر بالتشريع، وكافر بالحكم بهذا التشريع، وكفره بتوحيد الإلهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات حيث يعتاض عن شرع الله بالقوانين الوضعية وآراء اليهود والنصارى.
ويمكن أن نقسم الحكم بغير ما أنزل الله إلى مراتب:
المرتبة الأولى: أن يعتقد أن حكم القانون أفضل من حكم الله، أو أن يجحد حكم الله، هذا كافر بالإجماع حتى المرجئة يوافقون على هذا الكفر ولكنَّ حصر الكفر بهذا هو مذهب غلاة الجهمية والمرجئة.
المرتبة الثانية: أن يستحل ذلك وهذا كسابقه كفر حتى عند المرجئة وكفر بالإجماع.
المرتبة الثالثة: أن يقاتل على هذا الأمر، أن يحكم بغير شرع الله ويقاتل على هذا الأمر فهذا كفر أكبر، ويوافق على هذا الكفر بعض طوائف أهل الإرجاء، لأن القتال يقولون علامة على الاستحلال.
المرتبة الرابعة: أن يحكم بغير شرع الله مع اعتقاده أن شرع الله أفضل وأن حكم الله أفضل ولكن لشهوة غلبته فحينئذٍ نحَّى شرع الله إما موافقةً لداعي الهوى والشيطان أو موافقة لأنظمة ومواثيق هيئة الأمم الجاهلية أو لغير ذلك وحينئذٍ يلغي شرع الله يعطل الجهاد ويلغي العقوبات المترتبة على السارق والزاني ويلغي التحاكم إلى الشرع في الشؤون الإدارية والاقتصادية، فيجعلون التحاكم إلى الغرف التجارية وشبهها ويلغون التحاكم في شؤون العمل والعمال إلى شرع الله ويجعلون التحاكم إلى نظام العمل والعمال وهو نظام جاهلي في أكثر مواده. هذا كفر أكبر بإجماع أهل العلم كما نقل الإجماع على ذلك إسحاق والإمام ابن حزم والحافظ ابن كثير رحمه الله في المجلد الثالث من البداية والنهاية في ترجمة جنكيز خان لعموم قول الله جل وعلا: ? ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ?.
¥