النوع الثاني: محبة ما يحبه الله وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر حينئذٍ إذا حب ما يحبه الله، فإن أعظم شيء يحبه الله ما هو؟! هو التوحيد وهو إفراده وتعظيمه والتأله له، وأعظم شيء يبغضه الشرك. وكلٌ يقول أنا أحب الله وأحب الرسول ?، أنا أحب الله، وأحب أولياء الله وهو مقيم على شركه وضلاله.
أتحب أعداء الحبيب وتدَّعي
حباً له ما ذاك في إمكانِ
وكذا تعادي جاهداً أحبابه
أين المحبة يا أخا الشيطانِ
حقيقة المحبة أن تحب ما يحب الله، وأن تبغض ما يبغضه الله
النوع الثالث: الحَب لله وفيه، وهي من لوازم محبه ما يحبه الله جل وعلا بحيث تحب زيداً لله وفي الله، لا تحبه من أجل أطماع دنيويه، لا تحبه إلا الله ((أن يحب المرء لا يحب إلا الله))، فإن أحب الرجل لمصلحة دنيوية أو لجماله أو لغير ذلك عُذب بقدر ذلك ولا بُدَ، وكلٌ بحسبه على قدر ما تصرف شيء من الحب لغير الله يكون عذابك بهذا ولابد.
فما في الأرض أشقى من محبٍ وإن وجد الهوى حلو المذاقِ
نحن نحب أولياء الله من أجل حبهم لله، ونبغض أعداء الله من أجل عداوتهم لله أو لشرعه أو لأوليائه، وكلٌ بحسبه، ولهذا أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض.و من كان الناس عنده سواء فلا لعلته دواء، الذي لا يفرق بين أولياء الله وبين أعداء الله فهذا لا يعرف الإيمان ولا يعرف التوحيد، وهذا كالذي يريد أن يجمع بين الماء والنار، والضب والحوت في مكان واحد.
وفي سنن أبي داود من طريق يحيى بن حارث الذماري عن القاسم بن أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة أن النبي ?: (من أحب في الله وأبغض في الله، وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) وفي البخاري وغيره يقول ?: (أنا فرط بين هؤلاء وهؤلاء).
النوع الرابع: المحبة مع الله، وهي المحبة الشركية وهي تسوية المخلوق بالله في هذه المحبة.
قال ابن القيم: وبقي قسم خامس: ليست مما نحن فيه وهي المحبة الطبيعية وهي ميل الإنسان إلى ما يلائمه أو ما يلائم طبعة كمحبة العطشان للماء، والجائع للطعام ونحو ذلك.
بالتفريق بين هذه الأنواع يفقه العبد التوحيد، ويعرف كيف يُوحِّد ربه كيف يبتعد عن ما يغضب الله ويغضب رسول الله ?: ? يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ? القلب السليم هذا هو قلب الموحد وهو القلب أيضاً الذي لا غل فيه، ولا غش ولا حسد ولا بغي ولا عدوان ولا رياء. ولكن الذي يدخل به في الإسلام هو التوحيد والبراءة من الشرك وما دون ذلك مراتب.
66 - ينبغي للإنسان أن يكثر من دعاء لله جل وعلا بالثبات أن يثبته الله على التوحيد وعلى العقيدة ويسأل الله السلامة والعافية وأن يعرف فضل الله عليه، حيث جعله من أهل التوحيد ما جعله من أهل الإشراك المخلدين في النار، ولكن أهم شيء الثبات: ? فاستقم كما أُمرت ?: ? اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ? ولهذا قال لبيد:
الحمد لله إن لم يأتني أجلي
حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى:
والله ما خوفي الذنوب فإنها
لعلى سبيل العفو والغفرانِ
لكنما أخشى انسلاخ القلب عن
تحكيم هذا الوحي والقرآنِ
ورضاً بآراء الرجال وخرصها
لا كان ذاك بمنة المنانِ
67 - الإنسان لو فَقُه معنى الاسم الشريف ((الله)) لاستدعى ذلك أن يستقبح الشرك، وأن يوحد الله جل وعلا، فالله أصله الإله، والإله ما هو نرجع إلى معاجم اللغة، نرجع إلى كتب العلماء، نرجع إلى لغة العرب ما هو الإله؟ هو الذي تألهه القلوب محبةً وتعظيماً، فلو أحب الله وعظمه حق التعظيم، لاستدعى ذلك إلى أن يبتعد عن تعظيم غير الله، وعن الإشراك به.
وهذا يستدعي أيضاً التأمل والتدبر، فإن هذه المعاني قد تَمُرُّ على عباد القبور لكن يمرون عليها كمرورهم بوادي مُحَسر حين يقفلون ويرجعون من المزدلفة، أو أعظم وأسرع فلا يعون ولا يتدبرون.
نحن حين نتدبر القرآن نجد فيه كل شيء:
فتدبر القرآن إن رمت الهدى
فالعلم تحت تدبر القرآنِ
ولكن كما قال الشاعر:-
ومن العجائب والعجائبُ جمةٌ
قرب الشفاء وما إليه وصول
يقرأ القرآن ويشرك بالله!!
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمول
68 - قال الشاعر:
وواعجباً كيف يُعصى الإله
أم كيف يجحده الجاحدُ
ولله في كل تحريكةٍ
¥