وتوسط فيه ابن عدي رحمه الله فقال: له أحاديث صالحة يروي عنه الكوفيون وغيرهم، ولم أجد له حديثاً منكراً مجاوزاً للحد لا إسناداً ولا متناً، وهو عندي مستقيم الحديث صدوق.
وقد صحح هذا الحديث غير واحدٍ من أهل العلم.
96 - نهى غير واحدٍ من أهل العلم لو قال: توكلت على الله ثم عليك، لأن التوكل عمل قلبي لا ينفع فيه الإتيان بثم هذا قول طائفة من المحققين، فكيف لو إذا أتى بالواو فإن المنع من باب أولى والمنع من قول: توكلت على الله وعليك أولى من المنع من قول ما شاء الله وشئت بوجود مشيئة للعبد ولأن التوكل عمل قلبي لا ينقسم.
97 - لو قال هذا من بركاتك فقط لكان هذا جائزاً، والدليل على ذلك أن أُسيد بن حضير قال: ((ما هي بأول بركاتكم يا آل أبي بكرٍ)) هذا الحديث متفق على صحته. ففيه أن المخلوق له بركة، فلذلك لو قال هذا من بركتك يا فلان جاز، لكن لو قال هذا من بركات الله وبركاتك مُنع لماذا؟ لأن أتى بالواو المفيدة للمساواة فهذا يمتنع، لكن لو أتى بها مفردة لكان هذا جائزاً، فينبغي التفريق ومراعاة الألفاظ في ذلك.
98 - تنقسم الألفاظ من حيث الصحة والفساد إلى أقسام:
القسم الأول: اللفظ الفاسد شرعاً من كل وجه، كالحلف بالنبي ? أو الحلف بأي مخلوق فهذا يمنع منه صاحبه ولو كان قصد صاحبه سليماً فلا عبرة بالمقاصد حينئذٍ.
اللفظ الفاسد يجب النهي عنه وزجره عن ذلك كما لو حلف شخص وقال: (بأمي وأبي) يقصد الحلف بذلك وجب النهي عنه ولو قال أنا قصدي كذا وقصدي كذا يجب النهي عن ذلك، ولو حلف شخص بالأمانة وجب النهي عن ذلك.
القسم الثاني: اللفظ السليم شرعاً فهذا يُقَرون عليه ولا وجه لمن نهى عن ذلك مورداً احتمال أنه قد يقصد به كذا ويقصد به كذا فما دام أنه سليم شرعاً وجاء ذكره في الكتاب والسنة فلا وجه للنهي عن ذلك.
القسم الثالث: اللفظ المتردد بينهما، المحتمل للصحة والفساد فهذا يُراعي فيه كيفية الاستخدام.
وقد يُقال: إذا كان يوصل إلى المحرم في الغالب فإنه يُمنع منه وإلا فلا، وينبغي التفصيل في هذه القضية مع مراعاة المقاصد في الألفاظ المحتملة.
99 - قال المصنف: لفي مسند الإمام أحمد (أن رجلاً أتي به للنبي ? قد أذنب ذنباً، فلما وقف بين يديه قال اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد فقال ?: ((عرف الحق لأهله))) وخرجه الحاكم من حديث الحسن عن الأسود بن سَريع وقال حديث صحيح .. قال الشارح: هذا الحديث رواه الإمام أحمد والحاكم من طريق محمد بن مصعب قال حدثنا سَلاَّم بن مسكين والمبارك بن فضالة عن الحسن البصري عن الأسود بن سريع ((صحابي جليل)).
محمد بن مصعب الراوي عن ابن مسكين المبارك هو القُرقُساني قال عنه الإمام أحمد لا بأس به، وقال ابن معين ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيف وقال ابن خراش: منكر الحديث هذه العلة الأولى.
العلة الثانية: قال على بن المديني وابن منده والبزار لم يسمع الحسن البصري من الأسود بن سريع، ولكن جاء في التاريخ الكبير للبخاري ما يدل على سماع الحسن من الأسود في الجملة. ولهذا أثبت بعض أهل العلم سماعه.
[الشريط الحادي عشر]
100 - قال المؤلف: (وأما الشرك في الإرادات والنيات، فذلك البحر الذي لا ساحل له وقل من ينجو منه.) قال الشارح: لأن تحقيق العبادة يمنع من الرياء، كما أن تحقيق الاستعانة يمنع من الإعجاب، ولاسيما إذا علم العبد أن مصير الرياء إلى النار أكسبه ذلك نُفْرَةً عن الرياء وبعداً عنه.
101 - العمل لغير الله له حالات:
الحالة الأولى: أن تكون أعماله مراداً بها مُرَاءة المخلوقين فهذا شرك، ولا يصدر هذا من مسلم أصلاً حيث لا يعمل لله إنما يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويتصدق ويقرأ؟! من أجل الناس هذا لا يصدر من مسلم.
الحالة الثانية: أن يعمل لله ثم يعرض له الرياء في أثناء العمل فإن دفعه فلا إشكال في هذا، وإن استرسل معه فقد قال جماعة: يكون حكمه كحكم قطع النية في أثناء الصلاة، فإن كانت العبادة لا يصح آخرها إلا بصحة أولها لزم حينئذٍ الإعادة وإلا فلا.
وقالت طائفة من أهل العلم يجازى على أصل نيته، هذا في العبادة التي يرتبط آخرها بأولها. فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة فإنه يجازي على الإخلاص وتنقطع النية الصالحة بوجود الرياء.
¥