النوع الأول: الذي يكون منشئ جهله الإعراض عما جاءت به الرسل والإعراض عما جاء في الكتاب والسنة فلا يرفع بذلك رأسا، ولا يصغي لحجج الله ولا لبيناته، ويشتغل بدنياه عن البحث عن الحقيقة فهذا لا يعذر، هذا كافر. قال الله تعالى جل وعلا: ? ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ?. وقال الله جل وعلا: ? والذين كفروا عما أنذروا معرضون ?. وقال الله تعالى: ? وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ?.
النوع الثاني: الذي منشئ جهلة هو عدم العلم، أو التأويل و نحو ذلك فهذا هو الذي يعذر مع التغليط عليه في تفريطه، أو في جهله.
لأننا نلاحظ كثيراً من الناس، إذا أراد أن يُتاجر أو يبيع أو يشتري عرف مداخل ذلك والمخارج، وإذا أراد أن يعبد الله لا يفهم من ذلك شيئاً، وينبغي التغليظ في هذه القضية لأن هذا أصل الدين.
112 - بعض المتأخرين لا يرى إطلاق هذه الصفة ((رب الأرباب)) ولكن الصحيح أنه لا مانع من ذلك جاءت في كلام الأكابر أمثال الإمام ابن القيم وابن عبد الهادي وجماعة من علماء نجد والله جل وعلا قال: ? أأرباب متفرقون خير ? رب هؤلاء هو الله جل وعلا.
113 - قال تعالى: ? إن الله لا يغفر أن يشرك به ? لا: نافيه، والنفي أبلغ من النهي لأن النفي يتضمن النهي وزيادة، يتضمن النهي عن الشرك ويقتضي عدم مغفرة من أشرك معه إله آخر ولهذا أخبر الله جل وعلا عن المشركين أنهم حصب جهنم، وأنهم أصحاب السعير وأنهم الظالمون، وأنهم في جهنم خالدون ? تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ? أي: عابسون وقال تعال: ? إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ?.
[الشريط الثالث عشر]
114 - الشرك مغاير للكفر عند طائفة من أهل العلم فكل مشرك كافر وليس كل كافر مشركاً وقالت كائفة أخرى: بعدم المغايرة وأنهما مترادفان.
والقول بالتغاير قول قوي جداً فإن من سب الله أو سب الرسول ? أو أنكر البعث فإن كافر ومن دعا غير الله أو سجد للصنم أو طاف على القبور أو ذبح لغير الله أو نذر لغير الله فإنه مشرك.
يدل على هذا قوله تعالى: ? لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين ?.
الله جل وعلا غاير بين الكفر وبين الشرك، يدل على هذا أيضاً الآية التي بعدها ? إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم ?.
الله جل وعلا غاير بين الكفر وبين الشرك، لأن الشرك مأخوذ من التسوية وقد تقدم أن الشرك هو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، وكلاهما في النار، لا فرق في النتيجة وفي النهاية، المشرك مخلد في النار والكافر مخلد في النار.
لكن يسمى من سب الله أو سب الرسول ? سباً صريحاً يسمى هذا كافراً، ومن دعا غير الله يسمى مشركاً، ولذلك يسمى اليهود والنصارى كفاراً.
115 - التوبة تأتي بمعنى الرجوع وهذه تكون لله ولغيره، ومنه قول عائشة رضي الله عنها كما في البخاري وفي غيره (أتوب إلى الله ورسوله ?) حين قالت: ((ماذا أذنبت)).
116 - من القواعد المهمة في باب الأحكام الشرعية أن من الأقوال والأفعال ما هو صريح الدلالة على الكفر، وهذه القاعدة تصلح لهذه المسألة- مسألة الحلف بغير اسمه تعظيما - ولما قبلها كما تقدم في السجود أن من الأقوال والأفعال ما هو صريح الدلالة على الكفر. فحينئذٍ يكفر المرء بذلك.
فإن من قال أو فعل ما هو كُفر كَفَر بذلك، فإذا سب الإنسان الله جل وعلا أو سب الرسول ? سباً صريحاً فإنه كافر بذلك، لا يشترط بذلك الجحد أو نسأله عن الاعتقاد أو ماذا تقصد، بل تقدم أن سب الله عز وجل وسب رسول الله ? ولا يتصور فيه الجهل، وأن السب الصريح لا يتصور فيه ولا التأويل فيكفر بذلك مطلقاً وهذا من الأشياء الصريحة.
وكذلك من الأشياء الصريحة التي يكفر بها المرء إلقاء المصحف في القاذورات فهذا مرتد عن الدين، هذا من الشيء الصريح الذي لا نزاع فيه، ولا يشترط أن يقصد بذلك أشياء أخرى.
فالكفر تختلف أنواعه، ولكن يكفر بشيء واحد منها فقد يكفر الإعتقاد وقد يكفر بالجحد، وقد يكفر بالاستحلال، وقد يكفر بالفعل، وقد يكفر بالترك، وقد يكفر بمجموع هذه الأمور أو ببعضها.
¥