ويأتي بمعنى الشك وهو التردد في الشيء كالذي يظن أي يشك أن الرب لا يسمع له أو يستيقن أن الرب لا يسمع له. فهذا قد ظن بالله ظن السوء، وهذا الظن كفر لأنه إنكار لسمع الله. وإنكار لقدرة الله، بل هذا الظن يتضمن ثلاث مفاسد:
المفسدة الأولى: نفي صفات الكمال المطلق عن الله.
المفسدة الثانية: أنه يناقض أسماء الله وصفاته.
المفسدة الثالثة: أنه تنقص لمقام الألوهية والربوبية.
119 - المعتزلة فإنهم يقولون: إن الله عليم بلا علم، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، وهذا باطل ولا يصح تصوره في العقل، لأنه لا يمكن أن يقال إن الله سميع بلا سمع، ولا عليم بلا علم، فكيف كان عليم إذا كان بلا علم ولا رحيم بلا رحمة، ولا بصير بلا بصر، هذا لا يمكن أن يقال به.
والكتاب والسنة يردان هذا القول أي يبيِّنان بطلانه.
فإن الله جل وعلا سميع ويسمع، بصير ويبصر، عليم ويعلم وعلمه أحاط بكل شيء.
وهو العليم أحاط علماً بالذي
في الكون من سرٍ ومن إعلان
وبكلِ شيءٍ علمه سبحانه
فهو العليم وليس ذا نسيان
120 - الأمثال المذكورة في القرآن لا يعقلها إلا العالمون، كما قال تعالى: في سورة العنكبوت ? وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ? وقد كان بعض السلف يبكي إذا قرأ مثلاً ولم يفهمه ويقول لست من العالمِين.
وقد ذكر الله في القرآن بضعةً وأربعين مثلا، والمقصود من هذه الأمثال تأكيد معنى أو بيان غاية، وتقريب الشيء من الشيء والمعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الآخر أو غير ذلك.
والناس يتفاوتون في معرفة الأمثال والمقصد من المثل، وفوائد المثل، على حسب علومهم وفهومهم وإيمانهم، وعنايتهم بهذا الشيء، فإن العبد إذا جعل من نفسه عناية بهذا العلم تحصل له شيء كثير عظيم ولاسيما الأمثال في القرآن.
وللإمام ابن القيم شرح على الأمثال في القرآن وهو مطبوع في كتاب مستقل ((الأمثال في القرآن)) وابن القيم ما ألفه كتاباً مستقلاً ولكن استخرج فيما بعد ووضع في كتاب مستقل، فحريٌ بطالب العلم أن يقرأ هذا الكتاب وأن يتأمل فيه، وأن ينظر فيه ليعقل عن الله أمره.
121 - قال تعالى: ? يا أيها الناس ضرب مَثلٌ فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ... الآية ? قال الشارح: وهذه المثل عظيم، وهو من أعظم الأمثلة الواردة في القرآن لقطع عروق الشرك، فحقيق على كل إنسان أن يتأمل هذا المثل، ويتدبره، ويعيه ويعرف معناه فإنه مبطل لكل شرك.
فالآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله لن تقدر على خلق ذباب واحد ولا تقدر على مقاومته لو سلبها شيئاً من الذي عليها من الطيب ونحوه.
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعلى عن هذا المثل وقال:
وهذا المثل من أبلغ من ما أنزله الله سبحانه في بطلان الشرك، وتجهل أهله وتقبيح عقولهم والشهادة على أن الشياطين تتلاعب بهم أعظم من تلاعب الصبيان بالكره.
قوله (ضعف الطالب والمطلوب):-
الطالب: هو الصنم، والمطلوب: الذباب وهذا قول ابن عباس وطائفة من المفسرين، وقيل الطالب: العابد، والمطلوب: الصنم ونحوه.
والصحيح أن اللفظ يتناول هذا وذاك، فعاجزٌ متعلق بعاجز، ففيه تسوية بين العابد والمعبود الباطل، أو بدون حق في الضعف والعجز ولهذا قال جل وعلا ? ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ?.
[الشريط الخامس عشر]
122 - أهل العلم يختلفون في تقعيد أسباب الضلال: وقد يقال بأن هذه الأمور نسبية، قد يكون من أسباب الضلال عند القدرية كذا وكذا، ولكن يكون من أسباب الضلال عند الأشاعرة كذا وكذا مغايراً لأسباب الضلال الموجودة عند القدرية.
ولكن في الجملة أسباب الضلال عند كل طائفة لا تختلف طائفة عن أخرى، هي عدة أمور:
الأمر الأول: قلة الفهم لكلام الله عز وجل وكلام رسوله ?.
الأمر الثاني: تعظيم الرأي، وتعظيم العقل حيث يعطى فوق قدراته وفوق طاقته كما صنعت المعتزلة والأشاعرة حين قدموا العقل على النقل.
ونحن نعلم أن العقول تتفاوت يتفاوت إدراكُها، يتفاوت تنظيرها بتفاوت فهمها، ولو لم تتفاوت العقول ما اختلف البشر.
الأمر الثالث: الهوى، فإنه يصد عن الحق، وهو من أعظم أسباب الضلال و الانحراف في الأمور العقدية وغيرها.
¥