فهذا يبين لنا أن الآية تشمل النوعين.
فقوله: ? أن لا تعبدوا الشيطان ? بمعنى أن لا تطيعوا الشيطان وبمعنى أن لا تعبدوه بحيث تستجيبون لأمره وتركعون له وتسجدون وتذبحون له، وتنذرون له وتتخيلونه وتتصورونه وتجعلونه إلهاً دون الله أو مع الله.
[الشريط السادس عشر]
126 - الأمر في كلام الله للوجوب والأمر في كلام الرسول ? للوجوب، والأمر في كلام عامة الناس للالتماس والطلب. وفي المراقي قال:
وافعل لدى الأكثر للوجوب وقيل للندب أو المطلوب
وقيل للوجوب أمر الرب وأمر من أرسله للندب
127 - العبادة تطلق على التوحيد وتطلق على الدين، ومن أجمع ما قيل في تعريف العبادة أنها اسم جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
وأركان العبادة اثنان:
الركن الأول: غاية الحب الركن الثاني: الذل
وعبادة الرحمن غايةُ حبه مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائرٌ ما دار حتى قامت القطبان
ومداره بالأمر أمر رسوله لا بالهوى والنفس والشيطان
ومن وجه آخر يقال أركان العبادة ثلاثة: الحب والخوف والرجاء.
فمن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهذا مرجئ، ومن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد.
وشروط العبادة اثنان:
الشرط الأول: الإخلاص لله رب العالمين، والإخلاص هو إرادة وجه الله، قال تعالى: ? إنما نطعمكم لوجه الله ?، وقال تعالى: ? وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ?.
الشرط الثاني: المتابعة، فمن أخلص لله ولم يتابع نبيه ? فعمله مردود، ومن تابع نبيه ظاهراً ولم يخلص لله رب العالمين فعمله باطل.
128 - وصى النبي ? معاذ بن جبل فقال: (يا معاذ، والله أني أحبك فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك). وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي، والحاكم وصححه، وابن حبان وصححه من طُرق. عن المقرئ قال حدثنا حيوة بن شريح قال سمعت عقبة بن مسلم التُجيببي يقول حدثني أبو عبد الرحمن الحُبُلي عن الصُنابحي عن معاذ بن جبل وهذا إسنادٌ صحيح.
129 - قوله ?: ((يا معاذ والله إني أحبك)) فيه جواز الحلف على الأمور المهمة، بل يؤخذ من هذا مشروعية الحلف على الأمور المهمة، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف.و قوله ?: ((إني أحبك)): فيه أن من أحب أخاه فليعلمه وليقل له أخوه أحبك الله الذي أحببتني فيه.
130 - قوله ?: ((فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة)) أي فلا تترك أن تقول في دبر كل صلاة، يحتمل هذا أحد معنيين:
المعنى الأول: أن يقول بعد السلام، فيطلق الدبر على ما بعد الشيء وهذا قول طائفة من فقهاء الشافعية والحنابلة وغيرهم.
المعنى الثاني: أن دبر الشيء هو آخر جزء منه، فإن دبر الحيوان آخر جزء منه ولم يفارقه، وحينئذٍ يقول هذا الدعاء بعد التشهد قبل السلام، وهذا اختيار أبي العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والصواب هو القول الثاني في المسألة.
131 - ذكر ابن القيم رحمه الله في المدارج عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: قال: ((تأملت انفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته ثم رأيته في فاتحه الكتاب ? إياك نعبد وإياك نستعين ?)).
132 - قال تعالى: ? كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ? أي منقوصا قاله قتادة وغيره، وقال الحسن وغيره أي ممنوعا.
133 - جاء في مسند الإمام أحمد من حديث علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري ? أن النبي ? قال: (ما من مسلم يدعو بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بإحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها يدخرها له إلى يوم يلقاه قالوا: ((إذاً نكثر)) قال: ((الله أكثر)).
فإن قيل ما الجمع بين قوله ?: (ما من مسلم يدعو بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم) وبين قول المؤلف ((وأبغض خلقه إليه إبليس ومع هذا أجاب سؤاله وقضى له حاجته؟!))
فالجواب:
أن إبليس سأل الإنظار وهذا ليس حراماً، فمن سأل الله أمراً مباح فأجيب لا يعني أن هذا فيه خيرٌ له وتوفيق وسداد، فقد يكون هذا عوناً على معصيته. وتركاً لطاعته وزيادةً في غيه.
¥