فلا تنافي بين قوله ? وبين أن الله جل وعلا أجاب إبليس فمن دعا الله بإثم لا يستجاب دعاؤه ولكن قد يلح على الله في أمرٍ مباح فيستجيب الله جل وعلا له ذلك، ولا يكون هذا سبباً للخير ولا زيادة في الطاعة.
134 - من تأمل في الآيات والأحاديث الواردة في القدر عَلِمَ هذه الأسرار العظيمة وفهم هذا الباب فهماً عميقاً. قال ?: (فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). قال تعالى: ? ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ? أي من قبل أن نخلقها.
وقال تعالى: ? قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ?.
وليس معنى هذا الاستسلام للقدر، فالمؤمن الذي يدفع القدر بالقدر، يدفع حرارة الشمس بإتقاءها، ويدفع برودة الشتاء بإتقاءها، ويدفع الموت بالاتقاء عنه، ويدفع النار بالابتعاد عنها، يدفع السقوط من مكانٍ عالي بالتحرز، يدفع القدر بالقدر.
أما الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي فهذا ضلال عظيم
عند مراد الله تفنى كميتٍ وعند مراد النفس تسجي وتلحمُ
وعند خلاف الأمر تحتج بالقضاء ظهيراً على الرحمن بالجبر تزعمُ
135 - روى أهل السنن من حديث ذر عن يُسيع الحضرمي ويقال الكندي عن النعمان بن بشير أن النبي ? قال: (الدعاء هو العبادة) وقرأ ? وقال ربكم أدعوني أستجب لكم ?.
.وورد في الحديث الآخر ((الدعاء مخ العبادة)) رواه أحمد وغيره وفي إسناد عبد الله بن لهيعة وهو سيء الحفظ. و (الدعاء هو العبادة) أعم وأشمل معنى.
136 - قوله تعالى: ? فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ?: الـ (ما) هنا، صلة تسمى عند النحاة زائدة، وليس معنى الزائد عند النحاة الذي لا قيمة له ولا فائدة من وجوده كما يتصوره ذلك بعضهم، فهذا غلط لا يقوله أحدٌ من النحاة ولا من غيرهم.
ودائماً تعرب ((ما)) بعد ((إذا)) بالصلة أي زائد.
يا طالب العلم خذ فائده ما بعد إذا زائده
137 - الحديث المشهور أن النبي ? قال: (إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب).
رواه الحاكم ورواته ثقات، وقد أُعل بالوقف، وهذا قول الإمام الدار قطني رحمه الله في كتابه العلل. فقد صحح وقفه على عبد الله بن مسعود ?.
138 - الأصول التي تبنى عليها السعادة هي ثلاثة لكل واحدٍ منها ضد:
الأول: التوحيد وضده الشرك.
الثاني: السنة وضدها البدعة.
الثالث: الطاعة وضدها المعصية.
139 - السعادة الدنيوية والأخروية جمعت في آية واحد ? إياك نعبد وإياك نستعين ?.
وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في المدارج ((وسر الخلق والأمر والكتب والشرائع والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين وعليهما مدار العبودية والتوحيد، حتى قيل: أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب جمع معاينها في التوراة والإنجيل والقرآن، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن وجمع معاني القرآن في المفصل، وجمع معاني المفصل في الفاتحة في ? إياك نعبد وإياك نستعين ?)).
وهذا اجتهاد منه رحمه الله، ولم يثبت في الأدلة الصحيحة عدد الكتب وبعض هذا الكلام استنباط، والمقصود بيان ما تضمنته هاتان الكلمتان من عظيم المعاني وكبير الفوائد، وقد دلت الآية على أصول السعادة كما تقدم توضيحها.
[الشريط السابع عشر]
140 - القدر قال عنه الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ((هو قدرة الرحمن)) ومعنى قدرة الرحمن أي لا يمنع من قدر الله شيء. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته:-
وحقيقة القدر الذي حار الورى في شأنه هو قدرة الرحمن
واستحسن ابن عقيل ذا من أحمدٍ لما حكاه عن الرضا الرباني
وقال الإمام شفى القلوبَ بلفظةٍ ذات اختصار وهي ذات بيانِ
¥