تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى أقل تقدير في هذا الباب فالأحوط الامتناع عن هذه اللفظة والابتعاد عنها تحقيقاً لمقام التوحيد، وتأدباً واستبراءً للسان والقلب مما يؤثر عليهما من الألفاظ التي قد تكون غير مقصودة للمتكلم والمتحدث، ولكن مراعاة ذلك أمرٌ مطلوب، والتأدب بالألفاظ أمرٌ مطلوب.

146 - التقوى الحقيقية تمنع وتقي من فعل المعاصي وتأمر بفعل الطاعات حين قال بعض العلماء المتأخرين إن الناس كَثير فيهم الإرجاء. استدرك عليه آخرون وقالوا: هذا ليس بصحيح، لأن الإرجاء فرقة كسائر الفرق بالنسبة لأهل السنة أقل كفرق الأشاعرة وهذا فيه نظر.

الصواب: الكلام الأول هو الصواب، لأن الإرجاء موجود حتى عند كثير من العامة، فحين يلازمون المعاصي ويدعون بعض الطاعات ويقول: التقوى هاهنا؟! كأنهم يشيرون إلى أن الإيمان هو مجرد اعتقاد وهذا غلط وعلى أقل تقدير يكون الغلط لفظياً، وهذا يعتبر إرجاء لفظياً، وعلى أقل تقدير نجعله بمنزلة إرجاء الفقهاء، إذاً في العامة شيء من الإرجاء على هذا الاعتبار.

وأمرٌ آخر: حين يفعل المعاصي ويحتج بالتقوى بأنها في القلب هذا هو مذهب المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب، كأنه يقول: لا يضر هذا العمل، ولا تضر هذه المعصية لأن التقوى هاهنا؟! مادام فيه تقوى هاهنا فإن هذا الذنب لا يضر، طيب أي تقوى هاهنا؟! فإن حقيقة التقوى أن تفعل المأمور وتجتنب المحظور، أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله، هذه حقيقة التقوى. ومنه نعرف أن كثير من العامة فيهم إرجاء.

147 - قوله تعالى: ? ومن يتق الله ? التقوى: فعل المأمور واجتناب المحظور ? ومن يتقِ الله ? فعل الشرط، ? يجعل له مخرجا ? قال ابن عباس: ((ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة)) ولكن لا يتأتَّى جواب الشرط إلا بتأتِّي فعل الشرط.

148 - قال النبي ?: (إذا استعنت فاستعن بالله) رواه الترمذي وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وإسناده صحيح.

[الشريط الثامن عشر]

149 - من أحب أن يمدح لا يمدح ومن أخلص لله مدح، وحقٌ على الله أن لا يرتفع شيء من أمر الدنيا إلا وضعه الله. ومن هنا كان أئمة السلف كانوا يحرصون على الإخلاص ولا يراؤون الناس بأعمالهم لأن الرياء نوع من النفاق، قال تعالى: ? يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً ? وفي الأدلة الثابتة عن الصحابة أروع الأمثلة في هذا الباب.

وتأمل هذا في حال أئمة التابعين ومن جاء بعدهم إلى يومنا هذا من المخلصين الورعين.

عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى ورد عنه أنه قال: ((وددت أن الخلق أطاعوا الله وأن لحمي قد قُرِّضَ بالمقاريض)).

ويُروى عن الإمام الشافعي أنه قال: ((وددت أن الناس أخذوا عني هذا العلم ولم ينسب إليَّ منه شيء)).

وفي صحيح الإمام مسلم أن حصين بن عبد الرحمن قال: ((أما إنِّي لم أكن في صلاة ولكني لُدِغت) حين قيل له: ((أيكم رأى الكوكب الذي انقضَّ البارحة؟!)). قال حصين بن عبد الرحمن: ((أنا أما إني لم أكن في صلاة)) نفى عن نفسه توهم العبادة لئلا يُمدح بما ليس فيه.

تأمل في حال عبد الله بن المبارك حين وُضع مالٌ كثير لمن قتل رئيس وقائد الكفار فتلثَّم عبد الله بن المبارك وقتله ولم يعلم به أحد سوى من رآه وناشده الله أن يكتم عليه ولم يُعلم بذلك حتى مات.

وتأمل في حال عبد الله بن المبارك حين فقد أحد طلبته فسأل عنه، فقيل: إنه محبوس في دين، فذهب إلى غريمه وقضى عنه دينه وناشده أن يكتم عليه ولا يخبر بذلك أحد، وكان المال أكثر من عشر آلاف درهم، وحين خرج فسأل عنه عبد الله، قال: أين أنت؟! قال: كنت محبوساً في دين فأتى رجل صالح فقضى ذلك عني، قال: ألا تدلنا عليه لنكافئه ونجازئه، قال: لا أعرفه.

150 - أفاد الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد حين تحدث على قول الله جل وعلا: ? وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ?، أفاد أن هجران القرآن أنواع بخلاف ما يتخيَّله الكثير بأن من قرأ حروفه فقد أدى واجبه، ومن أهمل قراءة حروفه فهذا هو الذي هجر القرآن حق الهجر.

هجران القرآن أنواع:-

النوع الأول: هجران تلاوته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير