فالعقل إما فاسدٌ ويظنه الرائي صحيحاً وهو ذو بطلان
أو أن ذاك النص ليس ثابتٍ ما قاله المعصوم بالبرهان
لا يمكن لنص صحيح من كلام النبي ? أن يعارض كتاب الله جل وعلا إلا في أحد أمور:
أن يكون النص غير ثابت إذاً لا حجة في هذا النص حيث نجعله معارضاً للقرآن أو أن هذا النص ثابت فحينئذٍ نتهم العقل وأن هذا العقل فاسد ويظنه الرأي صحيحاً وهو ذو بطلان، وإذا تعارض فيما يظهر للشخص وطالب العلم آية من كلام الله وحديث من حديث رسول الله ? فلا بد أن هناك جمعاً بينهما يدل عليه العقل والنقل، وإنما يتأتى التعارض في تصور بعض الناس لا في حقيقة الشيء لأن الله جل وعلا يقول عن السنة ? إن هو إلا وحي يوحى ? الذي يقوله النبي ? أو يفعله ? إن هو إلا وحي يوحى ? فلا يمكن أن يكون هناك تعارض بين الكتاب والسنة ولا يكون هناك تعارض بين أدلة الكتاب، وقد قال غير واحد من الأكابر منهم ابن خزيمة وغيره: ((لا تأتوني بنصين متعارض ـ أي في الظاهر ـ إلا واستطعت أن أؤُلف بينهما)) وقد صنف العلماء ومصنفات في اختلاف علوم الحديث الأحاديث المتعارضة في الظاهر فكيف بدعوى تعارض القرآن والسنة أو بتعارض القرآن بعضه مع بعض وإنما ينتج التعارض والاضطراب في الفهوم لا في حقائق الأمور.
[الشريط الثالث والعشرون]
208 - التصوف أنواع منه ما هو منسوب إلى لبس الصوف ولبس الشيء الخشن وتارة ينسب بعض العباد والزهاد إلى التصوف.
وقد نسب إلى التصوف بعض أئمة الهدى ومصابيح الدجى حيث جاء عصر من العصور ينسب إلى التصوف من عُرف بالزهد والورع ولبس الشيء الخشن.
الصنف الثاني من كان متصف ببدعة وهذه البدعة لا تخرجهم عن الإسلام، فيصح حينئذٍ إطلاق من صوفية الإسلام أي المنسوبين إلى الإسلام أو الذين هم من جملة المسلمين لأن النسبة قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة.
ومن الصوفية الغلاة غلاة في الأسماء والصفات غلاة في العبادات حيث يعبدون القبور ويعبدون أصحابها ويلجئون إلى الأولياء، وطوائف منهم يزعمون سقوط التكاليف إذا وصل إلى مرحلة من العلم والمعرفة، وطوائف منهم يزعمون أن العبادة رياضة كصنيع هؤلاء الذين يقولون هذا القول وذلك لتستعد النفوس للمعارف العقلية والإلهامات وللفيض الحاصل لها من هذا الصنيع وفيهم غير ذلك.
وبالجملة فلفظ التصوف لم يكن معروفاً في عصر النبي ? ولا في عصر الصحابة وحين وجد بعد ذلك لزم التفصيل فمنه ما هو حق ومنه ما هو باطل وهذا الحق الأولى الإعراض عن تسميته بالتصوف لأن هذا اللفظ لا أصل له عن السلف ولاسيما أن هذا اللفظ أصبح وصفاً لأهل البدع والضلال والمنحرفين.
وإذا كان إطلاق التصوف باعتبار أن في الإسلام تصوف كما أن في الإسلام صلاة، كما أن في الإسلام عبادة، كما أن في الإسلام ذكر فهذا الإطلاق غلط، وإذا كان هذا الإطلاق باعتبار أن هؤلاء من جملة المسلمين فهذا صحيح إذا كان التصوف لا يخرجهم عن حيِّز الإسلام إلى حيِّز الكفر فالتصوف منه ما هو كفر ومنه ما هو دون ذلك.
209 - قضية النقد فحين يريد طالب العلم أو العالم نقد الآخرين لا بد أن تتوفر فيه عدة أمور:
الأمر الأول: أن يفهم المقصود من الكلام حتى لا يُسئ إلى نفسه ويظلم غيره، كما صنع كثير ممن يعلق على مدارج السالكين وعلى بعض كتب أئمة الهدى.
الأمر الثاني: العلم، والعلم بواقع الحال وبتصور المسألة على حقيقتها وبتنزيل الأدلة منازلها فلا تضع الدليل في غير موضعه ولا الهدى في محل الباطل ولا الباطل في مكان الهدى، ولاسيما حين يريد نقد الأكابر ممن آتاهم الله علماً وفهما فمن الضروري أن تبذل جهدك فتستفرغ طاقتك في البحث ومحاورة الآخرين لتصل إلى نتيجة إيجابية وأما مجرد المبادرة برد الأقوال دون تمعنها وفهمها واستيعابها فهذا ضرب من الجهل.
ومن صنف أو كتب فقد عرض عقله على الآخرين، فلينظر الإنسان ماذا يعرض؟! وأما بالنسبة بالردود على الآخرين فهذا يشترط فيه شروط:
الشرط الأول: العلم.
الشرط الثاني: الإخلاص.
الشرط الثالث: العدل.
الشرط الرابع: الإنصاف.
الشرط الخامس: الرحمة: حيث ترحم الآخرين ولا يكن قصدك التشفي وإشباع النفوس وهواها.
¥