فكما أنه لو قام رجلٌ الآن وأراد أن يجمع أقوال أبي بكر وينشئ مذهباً لقام عليه الكثير وأنكروا عليه وهو أبو بكر، ولو أن رجلاً الآن جمع أقوال علي ? وحشدها ونظَّر عليها واستخرج الأوجه منها وجعل هذا مذهباً أتصور أن الناس يقولون عنه رافضي أو يقولون عنه بأنه شيعي وهو علي ? بالعلم والقدر والجلالة فكيف حينئذٍ نسوِّغ للناس أو نأمر الناس بتِّباع هذه المذاهب وإلزام الناس بها، والذي لا يتبعها قد نعتبره ضالاً أو جاهلاً أو مشوشاً أو غير ذلك من الأعذار
213 - العامي صحيح أنه ليس له مذهب، مذهبه مذهب مفتيه، لكن طالب العلم الذي توفرت فيه آلة الاجتهاد والقدرة على استخلاص المسائل من مظَّانها، وعنده حفظ أكبر قدر ممكن من الأحاديث ومعرفة بالفقه وأصوله ومعرفة باللغة وتوابعها فهذا يجتهد ولا يقلِّد أحداً، وإن انتسب لبعض المذاهب فلا يقلدهم.
214 - حديث شعيب ابن أبي حمزة عن ابن المنكدر عن جابر قال: ((كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار ... )) وهذا الخبر معلول، أعله أبو حاتم وأبو داود وابن حبان وجماعة، وحكموا عليه بأنه مختصر.
الصواب: أن النبي ? أكل من كتف شاة ولم يتوضأ.
215 - ظهر في كثير من المتعصبين والمقلدة، وقد وجد فيهم من يستبيح دماء من خالفه، ووجد فيهم من يسعى فيه إلى السلطان لحبسه وضربه فحين عجز هؤلاء عن إقامة الحجة على الآخرين وعن مجاراة الآخرين بالحجة، وقرع الحجة بالحجة لجئوا إلى السلطان ولجئوا إلى القوة.
ما عندهم عند التناظر حجة أنى بها لمقلد حيران
لا يفزعون إلى الدليل وإنما في العجز مفزعهم إلى السلطان
فهذا المقلد الذي يُقِّر بجواز الخطأ على غير المعصوم، ولكن يعتذر عن إتِّباع السنة وعن قبول الحق بعدم العلم أو عدم الفهم أو عدم إعطاء آلة الفقه في الدين، والاحتجاج بالأشباه والنظائر أو بأن ذلك المتقدم كان أعلم بمراد الرسول فهذا مبطل، وجمع مع هذه الأمور استحلال عرض من خالفه أو انتقل من هذا إلى عقوبته والسعي في أذاه فهو من المتعدين ونواب المفسدين.
وقد عانى كثير من الأئمة بمثل هؤلاء المقلدة والحساد، وقد أشار إلى هذه القضية ابن القيم رحمه الله تعالى في النونية قال: فصل في حال العدو الثالث
أو حاسدٍ قد بات يغلي صدره
بعداوتي كالمرجل الملآن
لو قلت هذا البحر قال مكذباً
هذا السراب يكون بالقيعان
أو قلت هذي الشمس قال مباهتاً
الشمس لم تطلّع إلى ذا الآن
أوقلت قال الله قال رسوله
غضب الخبيث وجاء بالكتمان
أو حرف القرآن عن موضوعِهِ
تحريفَ كذابٍ على القرآن
وحين أفتى ابن تيمية رحمه الله تعالى بأن طلاق الثلاث واحده وأفتى بأن الرحال لا تشد إلى قبر النبي ? وأن هذا بدعة، لأن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاث مساجد، ومع ذلك لا تشد الرحال إليها أي إذا كانت بقعة تقصد لذاتها، قام عليه أعداءه وخصوصه وسعوا به إلى السلطان وجرت بينهم وبين ابن تيمية مناظرات ومكاتبات، وحين انتصر سلطان الحق لجئوا إلى السلطان وإلى الحكام وإلى السب والشتم، وهذا لا يعجز عنه أحد وفي عصرنا هذا ألوان وألوان من هذا القبيل حين يعجزون عن مجاراة أهل الحق وعن إقامة الحجة على الآخرين يلجئون إلى السب والشتم والثلب واستحلال الأعراض بأنه
خارجي أو بأنه يُشوش أو بأنه مفسد أو يقولون عنه بأنه جاهل لأن الكلام رخيص سعره، والهذيان بمثل هذا لا يعجز عنه أحد، وحين يعجزون عن إقامة مثل هذه الأمور في دنيا الواقع، وحين يعجزون عن إقناع الناس بمثل هذه الأمور يسعون به إلى السلطان بأنه يُألب الناس عليك، وقد يقولوا بأنه لا يدعوا لك، أو قد يقولون له بأنه يُكفرك ويستحل عرضك، وقد يقول بأنه لا يرى لك بيعه وغير ذلك من حجج نواب إبليس في الأرض.
216 - الإيمان عند أهل السنة قول وعمل، قول القلب، واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح.
وقال بعض أهل السنة بأن الإيمان قولٌ وعمل ونية، وقال بعض أهل السنة بأن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعملٌ بالأركان، ولا تنافي بين هذه الأمور، فهي ترجع إلى أن الإيمان قول وعمل.
إلا أن قول من قال أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان فيه شيء من القصور حيث أخرج أعمال القلوب.
¥