"قالوا: ولو كان رضاع الكبير محرِّماً لما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعائشة ـ وقد تغير وجهه وكره دخول أخيها من الرضاعة عليها لما رآه كبيراً ـ: "انظرن من إخوانكن " فلو حرم رضاع الكبير لم يكن فرق بينه وبين الصغير، ولما كره ذلك وقال: "انظرن من إخوانكن ". ثم قال: " فإنما الرضاعة من المجاعة" وتحت هذا من المعنى خشية أن يكون قد ارتضع في غير زمن الرضاع وهو زمن المجاعة، فلا ينشر الحرمة فلا يكون أخاً" ا. هـ
5. واستدلوا بما روي عن ابن عباس عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا رضاع إلا ما كان في الحولين"
أخرجه الدارقطنيُّ في سننه (3/ 408 ط: المعرفة) برقم (4284)، والبيهقي في سننه (7/ 462)، وابن عدي في الكامل (7/ 103).
وقال الدارقطني: "لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ."، وصحح البيهقي وقفه.
وقال ابن عدي: "هذا يعرف بالهيثم بن جميل عن ابن عيينة مسنداً، وغير الهيثم يوقفه على ابن عباس، والهيثم بن جميل يسكن أنطاقية، ويقال: هو البغدادي، ويغلط على الثقات كما يغلط غيره، وأرجو أن لا يتعمد الكذب" ا. هـ وينظر أيضاً "التلخيص الحبير" (4/ 8 ط: قرطبة)
ثانياً: أدلة القول الثاني:
1. قوله ـ تعالى ـ: "وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ" [النساء: 23]
فالآية مطلقة، وهي بإطلاقها تتناول رضاع الكبير، ويدخل فيها رضاع الصغير. ولكن يُعترض عليه بأن السنن الصحاح التي استدلّ بها أصحاب القول الأول تقيّد هذا الإطلاق بالرضاع في حال الصغر. وأوضح ـ في الدلالة ـ من الآية الحديث التالي:
2. عن عائشة زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأم سلمة:
أنَّ أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيداً، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورث ميراثه، حتى أنزل الله ـ سبحانه وتعالى ـ في ذلك:"ادعوهم لآبائهم" إلى قوله: "فإخوانكم في الدين ومواليكم". فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولىً وأخاً في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة، فقالت: يا رسول الله إنَّا كنا نرى سالماً ولداً، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد، ويراني فُضْلاً ـ أي: متبذّلة في ثياب مهنتها ـ، وقد أنزل الله ـ عز وجل ـ فيهم ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أرضعيه". فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة ـ رضي الله عنها ـ تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها ـ وإن كان كبيراً ـ خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبتْ أمُّ سلمة وسائر أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يُدْخِلْنَ عليهنَّ بتلك الرَّضاعة أحداً من الناس حتى يرضع في المهد، وقلن لعائشة: "والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لسالم دون الناس".
أخرجه بهذا السياق أبو داود (2061). وأخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 605/12) عن عروة بن الزبير، ومسلم مختصراً (1453) عن عائشة فقط، والبخاري (4000، 5088) مختصراً ولم يسق قوله: "أرضعيه" الخ، وإنما أشار له بقوله: الحديث. والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (1799)، والإرواء (1863).
وزاد في رواية مسلم: قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: "قد علمت أنه رجل كبير".
وفي رواية أخرى عند مسلم (1453/ 27): فقالت: إنَّ سالماً قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وإنه يدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً. فقال لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة"فرجعت فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة.
وزاد مسلم في رواية ثالثة (1453/ 30):فقالت امرأة أبي حذيفة: إنه ذو لحية. فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة".
¥