والأمة الإسلامية مأمورةٌ أن تقوم بواجبها تجاه القرآن الكريم، هذا الواجبات التي نبهت إليها نصوص الشريعة، كما في قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " الدين النصيحة " قال الصحابة: لمن؟ قال: " لله، ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم.
قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ: " والنصيحة لكتابه: الإيمانُ به، وتعظيمُه وتَنْزِيهُه، وتلاوتُه حق تلاوته، والوقوفُ مع أوامره ونواهيه، وتفهُّم علومه وأمثاله، وتدبر آياته، والدعاء إليه، وذَبُّ تحريف الغالِين، وطعنِ الملحدين عنه ".
ولا ريب أن هذا الواجب يكون متأكداً على ولاة المسلمين وعلى علمائهم، ويشاركهم في ذلك الأغنياء والموسرون الذين ينبغي أن يقدموا الدعم المادي اللازم للوصول لهذا الهدف السامي.
ثالثاً: غيظ المجرمين نحو القرآن
لم يكن مستغرباً أن تقع محاولات الإساءة للقرآن الكريم من قبل هذا النائب المتشدد، أو غيره من الكافرين، فقد سبقهم عدد من الأشقياء، كما أنها ليست حوادث فردية، بل إن ذلك نهج مخطط ومقصود.
وقد أخبر الله ـ جلَّ وعلا ـ في آيات عديدة عما تُكِنُّه قلوب أعداء الدِّين، وما يحملونه من مشاعر تجاه المقدسات الإسلامية، قال الله ـ تعالى ـ: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت: 26].
وقال ـ سبحانه ـ: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [الأنعام: 26]. وقال ـ سبحانه ـ: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) [فصلت: 44].
وقال ـ سبحانه ـ مخبراً عن شدة غيض الكفار من القرآن وتلاوة المسلمين له: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الحج: 72].
رابعاً: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)
إن هذه الحادثة وإن أحزنت وأغمَّت قلوب المؤمنين، لكننا نرجو أن تكون مزيد إعلاء لهذا الكتاب العزيز ولأتباعه.
فقد رأينا تلك الغيرة العظيمة والحمية الكبيرة التي دبَّت في قلوب المسلمين في أرجاء الأرض، وانتهض في نفوسهم التوجه لإعزاز مقدساتهم والمنافحة عنها.
ومن جملة ما يكون من الإعزاز للقرآن: أن يكون التعريف به وبرسالته للعالمين، فيحدث بذلك من نشر رسالة القرآن والإيمان به أضعاف أضعاف ما كان من محاولة الإساءة إليه.
قال الله ـ تعالى ـ: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) [الأنعام: 19].
قال الحافظ ابن كثير: فمن بلغه هذا القرآن من عرب وعجم وأسود وأحمر وإنس وجان فهو نذير له.
ولعلماء التفسير إشارات حول هذا المعنى عند قوله ـ سبحانه ـ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) فمن معاني وصف القرآن بالعزيز: الغَلَبَةُ والقهر، علاوةً على ما تضمنته الآية من التهديد للمعرضين المبطلين، ولله في ذلك من الحِكَم ما تعجز عن إدراكه عقول العالمين، فله الحمد كما يليق بجلاله سبحانه.
خامساً: أسمعوهم كلام ربهم
إن من المتعين على المؤسسات الدعوية والمراكز الإسلامية في العالم الإسلامي، أو التي تستقر كأقليات في البلاد غير الإسلامية، عليها أن تعرض على غير المسلمين حقيقة القرآن الكريم، وما فيه من الهداية والرحمة لهم ولعموم العالمين، بعيداً عن التحريفات الآثمة أو التشويهات الباغية، لعل ذلك أن يكون نوراً وهدايةً لهم.
¥