تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما عيسى – عليه السلام – رسول الله وعبده، فإن الله – تعالى – قد قص علينا من شأنه أصدق القصص وأحسنها، فقال – تعالى -: " فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ربنا أمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليَّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليَّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون " إلى آخر الآيات من سورة آل عمران [52 إلى 55 فما بعدها]، وقال – تعالى- في عده لمخازي اليهود وافتراءاتهم على الله ورسله: " وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبَّه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شكٍ منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً " [سورة النساء: 157 - 159] فقد بين الله – عز وجل – في هذه الآيات أوضح البيان أن عيسى – عليه السلام – لم يُسلط عليه أعداؤه من اليهود وغيرهم بالقتل أو الصلب، بل نجاه الله منهم فلم يصلوا إليه، وإنما صلبوا شبيهاً له ظنوه أنه هو، وعندها كان عيسى – عليه السلام - قد طهره الله من ذلك كله ورفعه إليه، وهذا كله مما أجمع المسلمون عليه.

وإنما وقع الخلاف بينهم في تفسير قوله – تعالى-: " إني متوفيك " هل المقصود بالتوفي هنا الموت أم النوم كما قال – تعالى-: " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها" [الزمر: 42]، وكقوله – تعالى-: " وهو الذي يتوفاكم بالليل " [الأنعام:60]، أم أن المقصود بالتوفي الاستيفاء بمعنى أن الله – عز وجل – رفعه وافياً تاماً من غير أن يُنال بشيءٍ من السوء المراد به، ومع كون القول الأول وهو تفسير وفاته بموته قولاً مرجوحاً، وأن القولين الآخرين أقوى منه وأرجح عند عامة المحققين من المفسرين وغيرهم، كابن جريرالطبري (جامع البيان: 6/ 458)، والواحدي (الوجيز:1/ 213)، وابن كثير (تفسير القرآن العظيم: 2/ 44)، إلا أن تفسير الآية به لا يُناقض الإيمان بنزول عيسى – عليه السلام – آخر الزمان في زمن المهدي وقتاله وقتله الدجال، فالله على كل شيء قدير وما إحياؤه وإنزاله إلى الأرض بعد هذه الأزمنة البعيدة بأغرب ولا أعجب من إبقائه حياً إلى زمن نزوله!! فلا علاقة بين تفسير الآية بأي واحدٍ من الأقوال السابقة والإيمان بنزول عيسى – عليه السلام – في آخر الزمان، فقد دل على نزول عيسى – عليه السلام – ثلاث آيات في كتاب الله – تعالى –:

الأولى: قوله – تعالى- كما في الآيات السابقة: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً" [النساء:159]، ومعنى الآية: وما من أحد من أهل الكتاب – اليهود والنصارى – إلا سيؤمن قطعاً وجزماً بعيسى نبياً ورسولاً قبل موت عيسى – عليه السلام – ويوم القيامة يكون شاهداً عليهم أنه قد بَلَّغ الرسالة وأقر بالعبودية على نفسه.

الثانية: قوله – تعالى-: - بعد ذكره عيسى – عليه السلام -: " وإنه لعلم للساعة فلا تَمْتَرُنَّ بها واتبعونِ هذا صراط مستقيم " [الزخرف: 61]، ومعنى الآية: إن عيسى – عليه السلام – شرطٌ وعلامة من علامات الساعة تُعْلم به، فسُمَّي الشرط علماً لحصول العلم به.

الثالثة: قوله – تعالى- عن عيسى – عليه السلام -:" يُكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين " [آل عمران: 46].

فالله – سبحانه وتعالى – يُعدد خصائص هذا النبي الكريم ألا وهو عيسى – عليه السلام- فذكر من عجائبه كلامه في المهد، ولا شك أنه من الخوارق أن يتكلم الوليد الذي في المهد، ثم ذكر كلامه في سن الكهولة، وسن الكهولة هو: بداية سن ظهور الشيب وقيل هو: ما بعد ثلاث وثلاثين، والكلام في سن الكهولة، لا غرابة فيه ولا يختص ذلك بعيسى – عليه السلام- فدل هذا المساق أن كلامه في الكهولة المقصود في الآية هو عند نُزُوله - عليه السلام-،كما ذهب إلى ذلك بعض السلف وأهل اللغة (تفسير الطبري 6/ 420)، و (تهذيب اللغة) للأزهري (6/ 18)، (وزاد المسير) لابن الجوزي (1/ 390)، وأحاديث نزول عيسى – عليه السلام – من أصح الأحاديث وأثبتها، منها: ما هو في صحيحي البخاري ومسلم اللذين تلقتهما الأمة بالقبول، وفي غيرهما من صحيح السنة ومشهورها حتى لقد أجمعت الأمة عليه، فلا خلاف في ذلك بين أهل السنة والجماعة بل بين عامة المسلمين.

تنبيه: ذكر السائل أن ابن مسعود – رضي الله عنه – كان يرى أن عيسى – عليه السلام- قد مات قبل رفعه، والصواب: أن الذي فسر قوله – تعالى-: " إني متوفيك " بالموت هو ابن عباس – رضي الله عنهما -، أخرجه الطبري في تفسيره (رقم 7141)،وابن حاتم (رقم 637). وأسأل الله – تعالى – لي وللمسلمين علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً، والله أعلم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير