تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم يأتي من يأتي ويقول: أن الإكثار من التعبد بدعة، ما عرف عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قام ليلة كاملة، وهذا عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت العشر شد المئزر وأحيا الليل، فهذا وارد على هذا الحديث، فإذا دخل التخصيص بمثل هذا النص، عموم خبر عائشة أضعفه، هذا مقرر عند أهل العلم, وما دام ثبت أنه أحيا الليالي العشر، عشر رمضان، يدل على أن إحياء الليل ليس ببدعة، وقد عرف عن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين فمن دونهم ممن يأتي ذكره في الأمثلة -إن شاء الله تعالى- هذا بالنسبة للصلاة.

الصيام ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يصوم حتى يقال: لا يفطر، وثبت عنه أنه كان يفطر حتى يقال: أنه لا يصوم، وكان يصوم من الأشهر الحرم، يصوم في المحرم، ويصوم من شعبان أكثره، فلا يقال: أن مثل هذا العلم بدعة، مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أفضل الصلاة صلاة داود، وأفضل الصيام صيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام سدسه)) بالنسبة للصيام يصوم يوماً ويفطر يوماً، ثم يأتي من يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- نجزم أنه ما صلى يوم وأفطر يوم؛ لأنه ثبت أنه كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم.

من كان وضعه في احتياج الناس إليه مثل حال الرسول -عليه الصلاة والسلام- يفاضل بين هذه العبادات، وأهل العلم يقررون أن العبادات المتعدية النفع مقدمة على العبادات الخاصة.

في مسلم عن عائشة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يصوم العشر، وثبت من حديث بعض أزواجه أنه كان يصوم العشر، فعائشة تذكر من حاله الغالب أنه كان لا يصوم العشر؛ لأنه مشغول بحاجات الناس. وأيضاً ثبت في الحديث الصحيح: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خيرٌ وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) ثم بعد ذلك ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) فإذا ضممنا هذا الحديث إلى هذا الحديث، قلنا بمشروعية صيام العشر، وكونه -عليه الصلاة والسلام- لا يصوم العشر أحياناً مثل ما قال: ((عمرةٌ في رمضان تعدل حجة)) ومع ذلك ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه اعتمر في رمضان، هل نقول: أن العمرة في رمضان ليست مشروعة؟ يكفينا قوله -عليه الصلاة والسلام-.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد يترك العمل رأفة بأمته، خشية أن يفرض عليهم، لو تظافر قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) مع فعله، ماذا يكون الواقع؟ الآن الناس يموتون، يعتمر في رمضان أكثر من ملونين شخص، يجتمعون في ليلة واحدة، لو تظافر فعله مع قوله كيف يكون العمل؟ لكن من الناس من يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اعتمر في رمضان، والحمد لله لنا أعمال بدائل، نقول: يكفينا ما ثبت من قوله -عليه الصلاة والسلام-.

لكن إذا عمل عملاً وندم عليه ولم يحثنا عليه، اقتدينا به في مثله، فلا نكلف أنفسنا في مثل هذا العمل، كدخول الكعبة مثلاً، ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- حثنا على دخولها، لكنه دخلها، ومع ذلك ندم على ذلك؛ لئلا يشق على أمته.

فانظروا لما لم يتظافر القول مع العمل صار الأمر أقل، ولو تظافر القول مع العمل في عمرة رمضان لوجدنا الزحمة التي لا تطاق، فبعض الناس يتشبث بكونه -عليه الصلاة والسلام- لم يعتمر في رمضان، ويتسلى بذلك.

تقول عائشة -رضي الله عنها-: "وأيكم يطيق ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطيق؟! " بذله وتضحيته في الصلاة والصيام والدعوة والجهاد شيء لا يطاق، لكن تجد مثلاً بعض الناس يذكر عنه في التلاوة أشياء، يذكر عنه ما يتعجب منه في التلاوة، لماذا؟ لأنه صارت على حساب أعمال أخرى، وبعضهم يذكر عنه على ما سيأتي من ذكر الأمثلة من الصلاة ما لا يخطر على البال، وصار هذا على حساب عبادات أخرى، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يفاضل، ويوازن بين هذه العبادات، ووقته مشغول ومعمور بالطاعة، والتبليغ ودعوة الناس إلى الخير. تقول عائشة: "وأيكم يطيق ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطيق؟! " ومحل ذلك كما قال ابن حجر: "ما لم يفضِ إلى الملل" لما جاء في الحديث الصحيح: ((أكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) وأخرج البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: ((عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) وجاء في الحديث الصحيح: ((أفضل الأعمال ما داوم عليها صاحبه)).

بعده -عليه الصلاة والسلام- وجد الاجتهاد في العبادة من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم من غير نكير، فلا يمكن أن يوصف مثل هذا بالابتداع؛ لأنه عمل سلف هذه الأمة، وخير هذه الأمة، اقتداءً بنبيها -عليه الصلاة والسلام-، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: ((الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر)) فجاء الحث على الذكر والتلاوة في الكتاب والسنة، قال الله -جل وعلا-: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [(35) سورة الأحزاب] وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((سبق المفردون ... الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)) وجاء الترغيب بتلاوة القرآن، ففي كل حرفٍ من القرآن عشر حسنات، عبادات أجورها لا يمكن أن يحاط به، ممن لا تنفذ خزائنه، ومع ذلك لا تكلف شيئاً، والمحروم لا تنفعه مثل هذه النصوص، إلا أن الله -جل وعلا- قال: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] ما هو كل الناس، ولذلك تجد بعض الناس يصعب عليه أن يفتح المصحف، وتجده حافظ ومع ذلك لا يقرأ، ولا شك أن هذا حرمان، وبكل حرف عشر حسنات، والختمة الواحدة بأكثر من ثلاثة ملايين حسنة، يعني الجزء الواحد الذي يقرأ بربع ساعة مائة ألف حسنة.

http://www.khudheir.com/audio/46

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير