[من موقع الإسلام سؤال وجواب: كيف يعدل الأب بين أولاده مع وجود الفوارق الفردية بينهم؟]
ـ[أحمد بن عباس المصري]ــــــــ[22 - 12 - 09, 07:23 م]ـ
كيف يعدل الأب بين أولاده مع وجود الفوارق الفردية بينهم؟
السؤال: لا شك أن لكل إنسان شخصيته التي أعطاه الله إياها، وإن كانت هنالك أخلاق مشتركة بين البشر إلا أن البشر يختلفون ويتفاوتون في اجتماع تلك الأخلاق، وسؤالي في الأبناء، كيف يمكن للأب أن يتعامل مع تلك الفوارق وأن يعدل بين أولاده - ذكوراً وإناثاً - مع ما يحملونه من أخلاقيات وطبائع متباينة تجعل النفس الأبوية منجذبة لبعضهم أكثر من بعض؟.
الجواب: الحمد لله
1. خَلَق الله تعالى خلْقَه وجعل بينهم تفاوتاً في الصفات والطباع والأخلاق، وهو أمر واقع ومشاهد، ويتسع ذلك في العالَم كله، وينحصر حتى يُرى في الأسرة الواحدة بين أولادها، ولله تعالى في هذا الحكَم الجليلة، وهو يدل على عظيم قدرته تعالى.
2. لا يُنكر ميل نفس الأب نحو الولد الذي يتصف بصفات حسنة، سواء في خِلقته، أو خلُقه، أو يكون له طباع تجذب الناس نحوه كمرحه، وخفة دمه، ولطافته، وليس كون الولد ذكراً يجعل الميل نحوه باللزوم، بل إننا نجد تعلق كثير من الآباء ببناتهم، والعكس.
3. ومثل هذا الميل لا يلام عليه الأب، لكن ليس من الحكمة إظهار ذلك أمام أولاده؛ لما يترتب عليه من مفاسد، وأما من لم يكن له إلا ولد واحد فليظهر له كل شعوره ولن يلومه أحد.
4. لا يعلم كثير من الآباء أن تمييز أحد أولاده ممن يتصف بصفات طيبة جاذبة قد يضر ذلك الولد المميَّز! وذلك بجعله مغروراً أو متكبراً، كما قد يجعله مصاباً بداء الكسل والبطالة والاعتماد على غيره في قضاء حاجاته، ولا شك أن مثل هذا الولد لن يكون نافعاً لنفسه، ولا لأبيه، ولا لباقي أسرته.
5. والأسرة التي يميِّز فيها الوالدان – وخاصة الأب – أحد أولادهم عن الباقين يتسببون في مفاسد كثيرة، منها:
أ. إصابة باقي الأولاد بالإحباط من النجاح والتقدم في دينهم ودنياهم.
ب. التسبب لهم بأمراض نفسية أو بدنية.
ج. الكيد للأخ المميَّز، وقد يصل الأمر لحد القتل!.
فالآباء المميِّزون في أسَرهم إنما يساهمون في تفرقة هذه الأسرة وتشتتها؛ لما يسببه ذلك التمييز من زرع العداوة والبغضاء والحسد بين أولادهم، فيتحد المبعدون ضد المميَّز عنهم، بل وضد والديهم، ومن تأمل قصة يوسف عليه السلام ورأى ما جرى منهم تجاهه وتجاه أخيه الآخر تبين له صدق القول، وقد أخبرنا الله تعالى عن سبب فعلتهم تلك في يوسف أخيهم، فقال تعالى: (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ. اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) يوسف/ 8، 9، ولا شك أن يعقوب عليه السلام لم يكن ظالماً لأولاده أولئك، وإنما حملهم على ذلك – فقط – محبته القلبية لابنه يوسف عليهما السلام، فماذا يُتوقع من إخوة ظلمهم والدهم بأن أعطى أحد إخوانهم ما لم يعطهم؟!.
6. ومن مظاهر التمييز بين الأولاد المشتهرة بين الناس: التمييز في العطية، وهو أمر محرَّم في شرع الله تعالى المطهَّر، ومن مساوئ ذلك التمييز: التسبب بالعقوق للوالدين، وعدم استواء الجميع في البر لوالديهم، وقد نبَّه على ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مع تنصيصه على تسمية ذلك التمييز في العطية جوراً وظلماً.
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي، فَقَالَ: (أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي)، ثُمَّ قَالَ: (أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟) قَالَ: بَلَى، قَالَ: (فَلَا إِذًا).
رواه مسلم (3059).
¥