[قاعدة في الأوامر والنواهي للحويني]
ـ[ابو ايهم المهيرات]ــــــــ[03 - 01 - 10, 12:22 م]ـ
قاعدة في الأوامر والنواهي
كل ما نهاك الله عنه ففي إمكانك أن تنتهي عنه، وكل ما أمرك به ليس في إمكان الكل أن يأتمر به؛ لذلك الله يعذب الذي يفعل ما نهي عنه، ولو كان النهي ليس في طاقة العبد لما عذبه، إنما يعذبه على ما في مكنته وقد نهاه عنه، فجميع المناهي بإمكان العبد أن يتركها، أما الأوامر فهي كثيرة ومتنوعة، كل ما أوجبه الله على العبد بإمكانه أن يفعله، وكل ما ندبه إليه واستحبه له لا يفعله إلا قلائل.
وتوضيحاً لهذا الكلام أقول: كل ما أوجبه الله أمر إيجاب على العبد، بمعنى أنه يعذب إذا لم يفعل، ففي إمكان العبد أن يفعله؛ إذ لا يتصور أن يأمره بما لا يطيق ثم يعذبه، فإن التكليف بما لا يطاق ليس من مذهب أهل السنة والجماعة، فإن الله تبارك وتعالى لا يأمر إلا بما في إمكان العبد أن يفعله، ولذلك كان فعل هذا النوع من الأوامر من أحب ما يتقرب إلى الله به، كما قال تبارك وتعالى في الحديث القدسي الذي رواه البخاري: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه).
إذاً: أفضل شيء تتقرب به إلى الله أن تفعل ما أمرت به على سبيل الفرض، إذاً ما أمرت به على سبيل الفرض والإيجاب الذي لا خيار لك في الترك، إنما لابد لك من الفعل، ففي إمكانك أن تفعل؛ لذلك يعذبك على الترك.
والمناهي التي نهي العبد عنها نهي تحريم إذا فعلها العبد فإن الله يعذبه لماذا؟ لأن بإمكانه أن يمتنع.
أما المستحبات التي لا آخر لها فإن العبد يثاب بقدر ما يفعل، ولا يؤاخذ مؤاخذة تقصيره في الفرض، وذلك ظاهر في قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في تمامه: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فهذا الحب هل هو وليد فعل الفرائض أم وليد فعل النوافل؟ في الأول قال: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) هذا هو الفرض الذي يجب أن يفعله، ثم قال تبارك وتعالى: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) إذاً هذا الحب وليد النافلة، هذا الحب ترتب على فعل النافلة؛ لأنه لا يتصور أن يكون هناك رجل مقصر في الفرض وهو مجد في النافلة، وإذا أردت أن تعلم مدى التزام العبد فانظر إليه في النوافل، إن رأيته على قدم وساق، فاعلم أنه يفعل الفرض كما أمر، فلا يتصور أن يتصدق إنسان وهو مدين، مدين ويتصدق؟! هذا غير متصور؛ لذلك كان تأدية النافلة علامة الالتزام، وهي التي استجلبت للعبد حب الله تبارك وتعالى.
ولله المثل الأعلى، لو تصورت أن لك خادماً و تعطيه أجراً على هذه الخدمة، فكلما أمرته امتثل، فإنك تحبه، عاشرك هذا الخادم فترةً طويلة، وعرف مواقع غضبك ورضاك، ما تكره وما تحب؛ فصار يفعل لك الذي تحب، ويتجنب الذي تكره من غير أن تأمره، أتزداد له حباً أم لا؟ تزداد له حباً.
حسناً!! لو افترضنا أنه إذا أمر بالأمر نفذ، وكنت فرضت له أجراً في الشهر كذا، فلو طالبك بزيادة على هذا الأجر نظير امتثاله لما تأمره به لقلت له: أجرك على قدر هذا الفعل.
إذاً: أنت لا تعطيه زيادة على أجره، لأنك تعطيه الأجر على الفعل، إنما لو كان هذا العبد ذكياً، فصار يفعل الذي تحب من غير أن تأمره، حينئذٍ لو طلب منك زيادة فسوف تعطيه.
فإذاً: يبلغ العبد رضوان الله تبارك وتعالى بفعل النافلة؛ ولأن النافلة واسعة جداً، ما يبحر فيها إلا قلائل؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (ما أمرتكم به من شيء فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عن شيء فانتهوا) لم يقل: فانتهوا ما استطعتم؛ لأن النهي في مكنة العبد أن يفعله، لكنه لا يستطيع أن يفعل كل ما أمر به، ولذلك في باب الأوامر قال: (فأتوا منه ما استطعتم) فهذا يدل على أن بعض الأوامر لا يستطيع الإنسان في كل أوقاته أن يفعلها، وهي الأوامر التي أمرت بها على سبيل الندب والاستحباب، فشريعتنا كلها سمحة، أما التعقيد الذي يعانيه بعض الناس فإنما هو بسبب انحرافهم، وإلا فاليسر كل اليسر في اتباع أمر النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو اليسر، إذا أردت اليسر فاتبع والزم.